كيف أقرأ الكتاب المقدس بانتظام وبفهم؟
Roma

كيف أقرأ الكتاب المقدس بانتظام وبفهم؟
الكتاب المقدس هو كلمة الله الحية التي تكشف لنا عن محبته وخطته لحياتنا. هو غذاء الروح ومصدر النور والإرشاد، وبدونه لا يستطيع المؤمن أن ينمو أو يثبت في إيمانه. لكن كثيرين يعترفون أنهم يواجهون صعوبة في قراءة الكتاب بانتظام أو في فهمه بعمق. ربما يبدأ البعض بحماس ثم يتوقفون بعد فترة، أو يقرأون بسرعة دون أن يستوعبوا ما يقرأونه. لذلك نحتاج أن نتعلم كيف نجعل قراءة الكتاب المقدس عادة يومية ثابتة، وكيف نفهم رسالته بوضوح، حتى يؤثر في حياتنا ويغيّرنا إلى صورة المسيح.
المحتوي
أولًا: أهمية الانتظام في القراءة
الانتظام في قراءة الكتاب المقدس لا يعني مجرد التزام خارجي، بل هو دليل على عطشنا لمعرفة الله. الكتاب يقول: “لِكَلِمَتِكَ اخْتَبَأْتُ فِي قَلْبِي لِكَيْلَا أُخْطِئَ إِلَيْكَ“ (مزمور 119: 11). الكلمة تحفظنا من الخطية لأنها تملأ قلوبنا بالحق. الانتظام يساعدنا أن نحيا في حضور الله كل يوم، وأن نسمع صوته في وسط ضوضاء العالم.
لكن كيف نثبت في هذه العادة؟ الأمر يبدأ بقرار عملي أن نُخصص وقتًا يوميًا للكتاب، كما نُخصص وقتًا للطعام أو النوم. قد يكون في الصباح الباكر قبل الانشغال بأحداث اليوم، أو في المساء قبل النوم، المهم أن يكون وقتًا ثابتًا ومنتظمًا.
من المفيد أيضًا أن نختار مكانًا هادئًا بعيدًا عن المشتتات. ومع الوقت يتحول هذا القرار إلى أسلوب حياة نتمتع به، ونشعر أننا لا نستطيع أن نبدأ يومنا أو نُنهيه دون كلمة الله.
ثانيًا: كيف نفهم ما نقرأه؟
كثيرون يقرؤون الكتاب لكنهم لا يفهمون معناه جيدًا. لذلك من المهم أن نطلب من الروح القدس أن يفتح أذهاننا. فالرب يسوع عندما ظهر لتلاميذه بعد القيامة “فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ” (لوقا 24: 45). الفهم لا يأتي بمجرد المعرفة العقلية، بل بالاستنارة الروحية.
طريقة عملية للفهم هي أن نقرأ النصوص ببطء وتأمل، لا بسرعة. من المفيد أن نسأل أنفسنا أسئلة مثل: ما الذي يُعلمني إياه هذا النص عن الله؟ ماذا يُريد أن يُغير في حياتي؟ كيف أطبقه عمليًا؟ كما يمكن الاستعانة بتفاسير كتابية موثوقة أو بسؤال خدام روحيين. لكن الأهم أن نترك النص يخاطب قلوبنا، لا أن يبقى مجرد معلومات عقلية.
كذلك يجب أن ننظر للكتاب كله كوحدة واحدة، لأن العهد القديم يُمهِّد للعهد الجديد،
والعهد الجديد يُكمل القديم.
كل الكتاب يشهد للمسيح ويُعلن عمله الخلاصي. عندما نقرأ بهذه النظرة، يتضح لنا المعنى، ونُدرك كيف تتكامل الأسفار لتُرينا خطة الله الكاملة.
ثالثًا: كيف أجعل الكلمة جزءًا من حياتي؟
الهدف من القراءة ليس المعرفة فقط، بل أن تتغير حياتنا. يقول الكتاب:
“وَكُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لَا سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ“ (يعقوب 1: 22).
الكلمة تُطالبنا أن نعيشها عمليًا. إذا قرأنا عن المحبة، فلنُطبقها في علاقاتنا. إذا تعلمنا عن الغفران، فلنسامح من أساء إلينا. إذا دعانا النص للقداسة، فلنبتعد عن ما يُنجس حياتنا.
من المفيد أن نُدوِّن آية أو فكرة من القراءة اليومية ونحتفظ بها في قلوبنا طوال اليوم. يمكن أن نكررها في الصلاة، أو نشاركها مع صديق، أو نكتبها في ورقة أو ندونها على هواتفنا المحمولة. بهذه الطريقة تصبح الكلمة جزءًا حيًّا من تفكيرنا وسلوكنا.
أيضًا، لا نقرأ الكتاب بمفردنا فقط، بل في جماعة. الشركة الروحية من خلال مجموعات دراسة الكتاب أو الاجتماعات تُساعدنا أن نتشجع، ونتعلم من خبرات الآخرين، ونُعمّق فهمنا. فالكلمة ليست مجرد نصوص جامدة، بل هي رسالة حية تعاش في حياة المؤمنين.
الخاتمة
الكتاب المقدس هو كنز عظيم وضعه الله بين أيدينا، ليكون لنا نورًا في الطريق وقوة في الصعوبات. الانتظام في القراءة، والفهم العميق بمعونة الروح القدس، والعيش العملي للكلمة، هي مفاتيح أساسية لننمو في التلمذة الحقيقية. وكلما اقتربنا من كلمة الله، نقترب من قلبه ونتغير أكثر إلى صورة ابنه. فلنطلب مع المرنم: “اكْشِفْ عَيْنَيَّ فَأُرِيَ عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ“ (مزمور 119: 18).
عندها سنختبر أن الكتاب ليس مجرد صفحات نقرأها، بل هو حياة تُغيّرنا، وقوة ترفعنا،
ورسالة تقودنا إلى الأبدية.
الكاتب/ مينا نبيل