كيف نُطلق قوَّة الله في تحدياتنا؟

Roma
كيف نُطلق قوَّة الله في تحدياتنا؟

   كيف نطلق قوة الله في تحدياتنا؟

يأتي على كل واحد مِنَّا وقتٌ، تقف فيه سفينة حياته وسط أمواجٍ عاتيَّة. قد تكون هذه الأمواج تقريرًا طبيًّا مؤلمًا، أو ضائقةً ماليَّة طاحنة تهدد استقرار الأسرة، أو فراغًا تركه رحيل حبيب، أو قلقًا مظلمًا من المستقبل يسرق سلام الليل. 

في أيام الهدوء والراحة، يبدو الحديث عن الإيمان جميلًا مُسرًّا ممتعًا، لكنَّ الامتحان الحقيقي يأتي في قلب العاصفة، حين يصرخ الواقع من حولنا بصوت الألم واليأس، هنا يبقى السؤال: أيَّ صوتٍ سنختار أن نصدق: صوت الواقع أو كما تسميه كلمة الله العيان؟ أم صوت ما تقوله لنا الكلمة المقدسة التي هي انعكاس لشخصيَّة الرب ومبادئه الإلهية المُحيية؟!

بينما يعلمنا الكثيرون عن إيمان الصبر والتحمل في وجه الضيقة، وهو أمرٌ عظيمٌ وضروريٌّ، توجد دعوةٌ أعمق وأقوى في كلمة الله. دعوة ليس فقط للصمود، بل للنهوض. 

دعوة لإيمان لا يكتفي بانتظار مرور العاصفة، بل يقف في وجهها ويأمرها أن تهدأ بسلطان اسم يسوع. هذه المقالة ليست مجرد أفكار نظريَّة، بل هي دعوة عمليَّة لنختبر معًا أن إلهنا ليس إلهًا متفرجًا، بل هو إله حي، قادر وراغب ويتوق أن يتدخل بقوته في حياتك اليوم.

  وعود الرب أقوى من الظروف

دعنا نضع تعريفًا بسيطًا وعمليًّا للإيمان. الإيمان ببساطة، هو أن تمنح ثقتك لكلام الله ووعوده أكثر من ثقتك لما تراه عيناك، أو تسمعه أذناك، أو تشعر به حواسك. هو قرار واعٍ بأن تضع كلمة الله في كفة، وكل ظروفك ومشاعرك وآراء الناس في الكفة الأخرى.

الإيمان هو اختيارك أن تجعل كفة كلمة الله هي الأثقل والأصدق. الإيمان ليس قوةً سحريَّة نخلقها من داخلنا، بل هو استجابة طبيعيَّة لقلب أدرك صِدْق وأمانة مَن أعطى الوعد. إنه ليس شعورًا، بل هو قرار؛ قرار بأن تبني حياتك على صخر الوعود الإلهيَّة، لا على رمال الظروف المتغيرة.

    التَّسلُّح بالكلمة هو وقود الإيمان

من أكبر الأكاذيب التي تسللت إلى فكرنا هي أن زمن المعجزات قد انتهى. لكنَّ الكتاب المقدس يعلن بوضوح أن يسوع المسيح “هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ” (عبرانيين 8: 13). الإله الذي شفى المرضى وأقام الموتى لا يزال يعمل اليوم بنفس القوة. العائق ليس في قدرته، بل قد يكون في سلبيَّة إيماننا أحيانًا. لنتأمل في قصة المرأة نازفة الدم؛ لم تجلس في بيتها تنتظر الشفاء، بل تحركت بإيمان فعَّال وقالت: “إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ” (مرقس 5: 28). إيمانها كان فعلًا خُطوةً جريئة نحو قوة المسيح الشافيَّة.

هذا هو الإيمان الذي يدعوك الله أن تحياه اليوم. إيمان لا يكتفي بالقبول الفكري، بل يمتد ليأخذ الموعد. عندما تواجه المرض، لا تقل فقط “لتكن مشيئتك” في استسلام، بل صلِّ بثقة معلنًا: “باسم يسوع، أنا أقبل شفائي الذي تم بجلدته”، «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا، تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِجُلْدَتِهِ شُفِينَا.» (إشعياء ٥٣ : ٥). عندما تواجه الاحتياج، لا تستسلم لروح العوز، بل أعلن بوعده: “إِلَهِي يَسُدُّ كُلَّ احْتِيَاجِي بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ” (فيلبي 4: 19). إيمانك هو اليد التي تمتد لتتقابل مع يد الله الممدودة بالعطايا.

    لماذا لا نرى النتائج أحيانًا؟ (معوقات الإيمان)

قد يسأل سائل: “لكني أُصَلِّي وأُؤمِن، فلماذا لا أرى تغييرًا؟”. إنَّه سؤالٌ صادق، والكتاب المقدَّس يُقدِّم لنا إجاباتٍ واضحةً عن بعض المعوِّقات التي تُعطِّل إيماننا: كالشكِّ والازدواجيَّة، والخطيَّة غير المعترَف بها، وعدم الغفران، والخوف، والاعتماد على الفَهم البشريِّ أكثر من وعود الله، والإهمال في سماع كلمة الله والعمل بها، والتأثُّر بالكلام السلبيِّ. عندما نتعامل مع هذه المعوِّقات، نكون بذلك قد مهَّد الطريق لعمل الله بقوَّة.

    قوة التسبيح: السلاح الذي يهز أساسات المشكلة

هناك سلاح استراتيجي في ترسانة المؤمن، غالبًا ما ننساه في وقت الأزمات: التسبيح. ولا أقصد بالتسبيح الترنُّم بأنغامٍ هادئة تُدغدغ المشاعر، بل التسبيح كسلاح حرب. انظر إلى بولس وسيلا في سجن فيلبي؛ كانا في أعمق وأحلك مكان، مقيَّدَين في المقطرة، بعد أن جُلدا ظلمًا. ماذا فعلا؟ “ونَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ”. وماذا كانت النتيجة؟

فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ… فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا، وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ” (أعمال الرسل 16: 25 – 26).

تسبيحهما لم يغير مشاعرهما فقط، بل هزَّ أساسات السجن المادي وكسر القيود. التسبيح في قلب الألم هو إعلان إيمان يقول للشيطان: “سلاحك لا يخيفني، وظروفك لا تسحقني؛ لأن إلهي أعظم”. التسبيح يغير الجو الروحي، يطرد اليأس، ويستدعي حضور الله بقوة. 

قبل أن ترى الشفاء، تسديد الاحتياج، حل المشكلة، تغيير الموقف، سبِّح. حوّل شكواك إلى شكر، وقلقك إلى تسبحة، وشاهد كيف يضطر الظلام أن يهرب أمام نور مجد الله.

    حصاد لا يفشل: ثمار الحياة بالإيمان

عندما نختار أن نعيش حياة الإيمان الفعال، فإننا نبدأ في حصاد ثمار مدهشة تغير حياتنا بالكامل: سلام يفوق العقل يحل محل القلق، قوة إلهيَّة تسندنا في ضعفنا، فتتحول حياتنا إلى شهادة حيَّة للعالم عن أمانة الله وقدرته الفائقة، فيتمجد اسمه من خلالنا.

في الختام،

إن ألمك حقيقي، وتحدياتك واقعيَّة. لكن إلهك، وقوته، ووعوده، هي الحق الأعظم والأبقى. اليوم،

لا يدعوك الله للصمود فقط، بل للنهوض. يدعوك لتحويل موقفك من الدفاع إلى الهجوم الروحي. أمسك بكلمته، املأ فمك بإعلانات الإيمان، وارفع صوتك بتسبيح يسبق المعجزة. قف في وجه عاصفتك بثقة وأخبرها أنها على موعد مع قوة إلهك الحي الذي يعمل الآن.

الكاتب/ مينا نبيل

 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك