إنقاذ عظيم وسط الضيق

Roma
إنقاذ عظيم وسط الضيق

 إنقاذ عظيم وسط الضيق

أُصيبت ابنة صديق لي في عمر الزهور بفشل كُلوي حاد، كان يستلزم أن تتحرك فورا لجلسات الغسيل الكُلوي. صدمة ما بعدها صدمة؛ لأن الأهل لم يكونوا على علم بمرض ابنتهم ذات الأعوام الثمانية. فقط بدت عليها في الأشهر الأخيرة علامات إعياء وضعف، ومع شدة انشغال الأهل بدوامة الحياة المعتادة، فقط حاولوا تقويتها بالطعام والراحة، إلى أن سقطت ذات مرة مُغشى عليها. وكانت الكارثة التي كشفتها الفحوصات أنها مصابة بهذا المرض الشرس الذي أودى بحياة كثيرين لا سيما في السنوات الأخيرة!
أمام الأب والأم كان خياران لا ثالث لهما. خياران أحلاهما مُرٌّ!
أن تعيش الطفلة على جلسات الغسيل وهذا طبعا مؤلم جدا جسديا ونفسيا!
أو البحث عن متبرع يُعطيها كُليته لتقوم بعملية زراعة كُلى..!
طبعا الخيار الثاني هو الأكثر منطقية. كان التحدي أن يجدوا متبرعا كُليته متوافقةً مع كُلية الطفلة وفي وقتٍ قصير جدا؛ حتى يرحموا الطفلة من آلامات الغسيل، وهي طفلة متوسطة الحجم أقرب للهزيلة لا سيما في فترة ما قبل اكتشاف مرضها.
قلب الأم منفطر. قلب الأب مُمزَّق. يحاول كلاهما تشديد عزم الآخر وتعزيته والتظاهر بالقوة، إلا أنهما داخليا، وحين يختلي كلٌّ منهما بنفسه، لا يجدان إلا الانهيار والصراخ إلى الله!
تارة “تدخَّل يا ربُّ وأنقذها” وتارة “لماذا يحدث هذا يا رب؟!”
هنا قرر الآب أن يخوض التحدي معتمدا لا على قدرته أو ماله لأنه مقتدر ماديا جدا!
بل قرر أن يعتمد على ما قاله الله شخصيا في كلمته المقدسة!

 التمسُّك بالكلمة وسط الصعوبات

وفي لحظة تحدٍّ نادر قلَبَ أحوال الأسرة رأسا على عقب، قرر الأب تحويل هذا الألم لإثبات عملي لمحبة الرب، الذي أعلن لنا بكل وضوح في الكتاب المقدس، أنه مصدر الرجاء والقوة، خاصة في الأوقات الصعبة والأزمات.
واتخذ نهجين سلك فيهما على التوازي جنبا إلى جنب:
1- اللهج فيما تقوله كلمة الله ليكون محفزا إيمانيا له.
2- التحرك العملي في خطوات البحث عن متبرع.
ابتدأ الأب والأم يلهجان ويفكران ويتمتمان بالوعود الكتابية فتذكرا وعد الرب بأنه دوما:
• قوتنا في الضعف
“تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تكمل.” (٢ كورنثوس ١٢: ٩).

• رجاؤنا وسط الضيق
“مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كل تعزية.” (٢ كورنثوس ١: ٣)
• يعطينا سلاما يفوق كل عقل
“وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع.” (فيلبي ٤: ٧)
• وأنه سند لمكنسري القلوب
“الرب قريب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح.” (مزمور ٣٤: ١٨)
• كما أنه يدعونا للثقة المستمرة فيه وسط الصعوبات
“لا تخف لأني معك، لا تتلفت لأني إلهك. قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين بري.” (إشعياء ٤١: ١٠)
• يدعونا أيضا للاتكال عليه بالكامل لا على أنفسنا
“توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد.” (أمثال ٣: ٥).

• محبة تشفي الجروح

التحدي كان أن يفكر الأبوان ويتأملا في هذه الوعود لا فقط أثناء وقت الصلاة، بل أثناء تحركاتهما العملية في البحث عن متبرعين وإجراء الفحوصات والمتابعة مع الأطباء المختصين. على شرط أنه هذا كله في وقت كانت الطفلة بالفعل تقوم بجلسات غسيل كُلوي مرتين كل أسبوع.
يا لروعة وثقة هذا الزوج وهذه الزوجة في الرب. رغم كل الألم النفسي والحسرة وأجواء الغسيل المتعبة جسديا ونفسيا وصِغر عمر الطفلة وتدهور حالتها، اختارا رغم لحظات البُكاء والألم والإحباط أن يتمسكا بالمكتوب رغم كل معاندات الظروف والواقع والعيان!
ليس عجيبا أن تتدخل قوة الله العظيمة ونعمته في الأوقات الصعبة، وكأن إيماننا بما تقوله الكلمة يكون بمثابة ترحيب بيد الله القديرة في المواقف وإعلان إيمان عملي أنه لن يتخلى عنا أبدا.
متذكرين أن الرب يسوع شخصيا لم يفعل معجزات في بعض الأماكن التي كان إيمان الناس فيها بالرب ضعيفا أو معدوما

“وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً” (مر 6: 5).
الخلاصة أن محبة الرب الأبوية كانت ظاهرةً وبقوة في تعاملات الرب معهما، وحرفيا خلال أشهر قليلة رغم كل هذا الألم والمعاناة توفقا في متبرع جاد وصادق ودرجة توافقه كُليته مع كُلية الطفلة كانت جيدة جدا. وأجريت العملية للطفلة، ورغم صعوبة الفترات الأولى من العملية إلا أنها الآن تحيا بصحة طبيعية جدا، ولم تقضِ أوقاتا كثيرة مُعذَّبةً في الفشل الكلوي ولا جلسات الاستصفاء الدموي.

 التطبيق العملي

أن كلمة الله ليست مجرد آيات أو وعود جميلة لكنها إعلان عملي عن محبة الله الظاهرة بوضوح في تفاصيل حياتنا اليومية وسط الضيقات والشدائد.
كل ما علينا الثقة فيها والتمسك بها بصلابة مهما زادت التحديات، والنتيجة حتمية أن الرب لن يتركنا أبدا، لا لصلاحٍ فينا بل بسبب أبوته هو وصلاحه.
ولنا عبرة وأمثال كثيرة في الكتاب المقدس لرجال الله الذي واجهوا الضيقات بصبر وثبات، مثل:
• نوح الذي وثق بالله وسط الطوفان. (تكوين ٦-٩)
• داود الذي تغلب على جليات بقوة الله. (١ صموئيل ١٧)
• بولس الذي كان يرنم ويمجد الرب أثناء وجوده بالسجن! (أعمال ١٦: ٢٥).

الكاتب/ مينا نبيل

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك