دِقة النبوَّات

Roma

دِقة النبوَّات .. بين الواقع والمستحيلات

 تبدو مستحيلة لكن تحدُث بدِقة!

لو قال أحد الأشخاص، إن محافظة الإسكندرية، ستتعرض في شهر ديسمبر لنوَّة، ستكون الأمطار فيها غزيرةً، مصحوبةً برياح جنوبية غربية، لن يُفاجِأ بهذا الكلام شخص يعيش في الإسكندرية، كما لن يُفاجأ به أيُّ مِصري يعيش في أرجاء مِصرنا الحبيبة؛ ببساطة؛ لأنَّ هذا معروف سلفا!
لكن لو قال نفس الشخص، إن هذه النوَّة، ستحدث تحديدًا في اليوم الفلاني، وقام بتحديد الساعة والدقيقة، والفترة التي ستستغرقها النوَّة، مُحددا سرعة الرياح، إضافةً لقيامه بحَصْر الأضرار، بالأماكن، وأسماء الأشخاص، ثم يحدث ذلك كله، بدقةٍ متناهية، وقتها سيندهش الجميع.
أمَّا لو قام هذا الشخصُ عينُه، بالتنبؤ عن أحداثٍ حالية ومستقبلية غير مألوفةٍ لدينا، ذاكرا إياها بتفاصيل محددة دقيقة للغاية، وحدثت جميعها تباعا واحدةً وراء الأخرى، بنفس الدقة، رغم غرابتها في البداية، أو استحالة حدوثها بالعقل والمنطق والظروف العَيانية!
هنا سيتوقف الناس أمام حقيقة مُفاداها، أن وراء هذا الشخص، بالتأكيد شيئًا خارقاً للطبيعة.

دائمًا ما يتعرض الكتاب المقدس لمحاولات التشكيك، والنيل من صحته، لكن يأتي تحقيق وتتميم نبوَّات الكتاب؛ ليُثبت بما لا يدع أي مجال للشك أو التشكيك، أنه فعلا كلام إلهي، يستحيل أن يخرج من كائنٍ، أيًّا كان مَن هو، سوى الله، الخالق العظيم المتفرد، جلَّ جلالُه، غير محدود القدرة والعظمة، فهو الوحيد القادر على رؤية خارطة العالم والأحداث، (مفرودةً) أمامه، من بدايتها وحتى الأخير.
يبلغ عدد نبوات الكتاب المقدس، حسب بعض الدارسين، 10385 نبوَّة، تحقَّق معظمُها، بشكل فائق البراعة، والدقة، لهذا لا عجبَ، أن قال الرسول بطرس عن كلمة الله: “وعندنا الكلمة النبوية وهى أثبت، التي تفعلون حسنا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم” (رسالة القديس بطرس الثانية 1: 19).
أمَّا عن عدد النبوَّات، التي تحدَّثت عن السيد المسيح، فبحسب تقدير الدراسين، هناك 333 نبوة وردت عنه في أسفار التوراة؛ أي بين يدي اليهود، الذين لا يؤمنون بالمسيح، الأمر الذي يجعل موضوع تحريفها، أو إضافتها، غير وارد على الإطلاق.
تنقسم النبوات في الكتاب المقدس إلى قسمين: قسم خاص بالأيام الأخيرة، التي تُخبرنا عن فكر الله تجاه ما سيحدث في العالم، وقسم آخر تمَّ فعليا في الماضي، الذي كان بالنسبة لكثيرين مستقبلا قبل حدوث هذه النبوات؛ الأمر الذي يمنحنا دليلا قاطعا، بأن هذا هو كتاب الله. فمَن غيرُ الله يقدر أن يُخبرنا بالمستقبل؟

 نبوات خاصَّة بالسيد المسيح

طبعا يَصعُب أن نذكر نبوءةً نبوءة، من النبوَّات الخاصة برب المجد، السيد المَسيح، الإله الحي الذي ظهر وتجلى للبشر في جسم إنساني، من أجل افتدائهم، من عبودية الموت، وعبودية الشيطان والجحيم؛ لذلك سنكتفي بذِكر نذرٍ يسير، من هذ النبوَّات؛ مع ذِكر، تحقيقها.
النبوة تتميم النبوة موضوع النبوة
إشعياء 7: 14 متى 1: 22،23 أنَّ السيد المَسيح سيُولد من عذراء.
ميخا 5: 2 متى 2: 5،6 أنَّه سيولد في مدينة بيت لحم
(وهي كلمة عِبرية معناها: بيت الخُبز وليس بيت اللحوم)؛ وما يؤيد ذلك المعنى، ما قاله السيد المسيح لَه كل المجد، عن نفسه، إنه “خبز الحياة”، كما ورد في (يوحنا 6: 35).
هوشع 11: 1 متى 2: 15 أنه سيلتجئ إلى مِصر إبَّان قرارات الملك هيرودس بقتل الأطفال من دون سن ثلاث سنوات.
إشعياء 42: 1-4 متى 12: 14-21 أنَّه متفرد.
زكريا 9: 9 متى 21: 4،5 سيدخل أورشليم وسط احتفالات الشعب راكبا على جحش.
مزمور 41: 9 يوحنا 13: 18 سيتعرض لخيانة أحد تلاميذه.
مزمور 22: 16 متى 27: 35 سيموت ميتةً قاسيةً وكانت على خشبة الصليب.
مزمور 16: 10 أعمال الرسل 2: 31 سيقوم من الموت.
إشعياء 53: 9 متى 27: 57-60 سيُدفن في قبر مملوك لرجل ثري.
مزمور 68: 18 أعمال الرسل 1: 2، 9، 11، 22 سيصعد إلى السماء.

قام عالم رياضيات شهير، يُدعى بيتر ستونر، في جامعة باسادينا، في كاليفورنيا بأمريكا، باختيار أوضح 48 نبوة من هذه النبوات، ثم طبَّق عليهم نظرية الاحتمالات، أي احتمالية أن تتحقق النبوات عن طريق الصُّدفة ليس أكثر، فكانت النتيجة مذهلةً، إذ وَجَدَ أن هذا الاحتمال هو فرصة واحدة، أمام رقم عجيب، يُكتب هكذا: واحد وأمامه 181 صفرا!

في عُجالةٍ، سنستعرض عددا من النبوات التي تحققت، عن اليهود ومصر، وبعض الأمم!

 نبوات مُحدَّدة عن حال اليهود بين الماضي والحاضر

ثمَّة نبوات عن اليهود في الكتاب المقدس، تمَّت في دقةٍ مدهشة، مثل:
شتات وغُربة: تحدَّث موسى النبي نحو عام 1500 ق. م، عن أن اليهود سيتشتتون في كل العالم مرتين؛ بسبب شرورهم، وعدم خضوعهم لوصايا كلمة الله (تثنية 28: 36، 49). وهذا ما تم فعلا. الأولى كانت بواسطة جيوش الكلدانيين سنة 588 ق.م. والثانية على يد الرومان بقيادة تيطُس فاسباسيان سنة 70 م.
• نكران وجحود: وهذا ما جاء في نبوة إشعياء النبي في الإصحاح 53، عن رَفْضهم للسيد المسيح، رغم كل ما فعله في وسطهم من آيات وعجائب، ثم قيامهم بصلبه بطريقةٍ بشعة.
• كبرياء وعُزلة دائمة: إذ كانوا لا يسمحون أبدا باختلاط أحد من الغرباء بهم (عزرا 10: 11، نحميا 13: 3، يوئيل 4: 9)، حتى بعد تشتيتهم في العالم، كانوا يسكنون معا في مناطق خاصة بهم، ولا يختلطون بسواهم. وهو نفس ما قالته النبوة عنهم، حتى قبل دخولهم أرض كنعان (عدد 23: 9).
• خراب ودمار: وهـذا نصًّا ما قاله المسيح قبيلة صلبه، عندما نظر مدينة أورشليم، وبكاها؛ قائلا «ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك، ولا يتركون فيك حجرا على حجر» (لوقا 19: 43، 44).
• خَربة ومهجورة: وهي النبوءة التي تحدَّثت عن كيف ستكون أورشليم خربةً ومهجورة، طوال الفترة التي تلت حصارها (إشعياء 6: 11، 12، ميخا 3: 12)، وهو ما تمَّ حرفيا بالفعل.

 مصر في قلب الله

• يسوع في أرض مِصر: التي هي أشهر النبوات المتعلقة بمصر، والتي تمت بعد نحو 750 سنة من قول النبي هوشع لها (هوشع 11: 1) وقد تمَّت حرفيا في (متى 2: 15).
• تغرُّب نسل إبراهيم: إذ قال الله لإبراهيم، إن نسله سيتغرب في أرضٍ ليست لهم، وإنهم سيخرجون منهـا بأملاكٍ جزيلة، بعد أن يتمم الله قضاءه عليها (تكوين 15: 13، 14). وقد تمت هذه النبوة بحذافيرها، بعد ذلك بأربعمائة عاما، في عهد موسى، عندما “صنع الرب أحكاما بكل آلهة المصريين” (خروج 12: 12).
• وثنيَّة واضمحلال: وهذ نبوءة نجدها في إشعياء إصحاح 19، حيث كانت مصر أيام إشعياء النبي، غارقةً في الوثنية، وابتداءً من سرجون ملك آشور حوالي 700 ق م، كانت بداية الاضمحلال، تماما كما جاء بهذا الإصحاح.
• خراب بعض المدن المصرية: تتحدث النبوات عن خراب كثير من المدن المصرية القديمة، وتَهدُّم هياكلها الوثنية (إرميا 43: 8 ـ 13، 46: 19، حزقيال 30: 14، يؤئيل 3: 19)، وكما قال الرب حدث تماما.

 نبوات عن مجد ودمار بعض المدن

• ازدهار بابل: وردت في إصحاح 13 من سفر إشعياء، نبوة عجيبة عن مدينة بابل، هي “تصير بابل بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين كتقليب الله سدوم وعمورة.” في حين أن بابل أيام إشعياء النبي، لم تكن قد بلغت مجدها بعده، وتحققت هذه النبوءة حرفيا!
• خراب صُور: وهي المدينة القديمة، التي كانت واحدةً من أقدم وأغنى ممالك العالم القديم، إذ جاءت عنها أيضا نبوءة عجيبة، في إصحاح 26، من سفر حزقيال النبي، الذي تنبَّأ عن مصيرها قائلا: “يضعون حجارتك وخشبك وترابك في وسط المياه.. وأصيرك كضح الصخر فتكونين مبسطا للشباك لا تبنين بعد، لأني أنا الرب تكلمت يقول السيد الرب.”

وقد تحققت هذه النبوءة بكامل حذافيرها وتفاصيلها، وقد عقَّب على تحقيق هذه النبوة، عالم الرياضيات الأمريكي الدكتور بيتر ستونر، الذي ذكرناه في بداية مقالتنا، قائلا: “لو تُرِك تحقيق هذه النبوة للصدفة، فنسبة تحقيقها لن تتعدى بنسبة 1: 75 مليون.”
كم هي مُدهشة الكلمات التي تأتينا من الرب مباشرةً، بوحيٍ من الروح القدس، على أفواه رجاله، وأنبيائه الأتقياء.
ما ذكرناهُ، ليس إلا لمحاتٍ وومضاتٍ سريعةً جدا، مُختصرة، عن دِقة حدوث نبوات الكتاب المقدس، على مدار عصور وأزمنة وثقافات وحضارات وأشخاص وأمم كثيرة عبر التاريخ.
وهذا كله، ليس إلا دليلا دامغا، على سماوية وألوهية كل كلمة، واردة في الكتاب المقدس، الذي بين يدينا!

بقلم: مينا نبيل

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك