هل صار المسيح لعنة؟!

Roma

 هل صار المسيح لعنة؟!

قال الرسول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية إصحاح 3 وعدد 13
“اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».”
هنا يقول بعض المُشككين كيف لبُولُس أن يلعن ربَّه الذي يعبده؟! وكيف يعبد المسيحيون إلها قال عنه كتابُهم إنه ملعون؟!
للرد في إيجاز على هذه الشُّبهة، دعونا نذهب لأشهر المعاجم العربية؛ لنتعرف معا على معنى “اللَّعْن” في اللغة العربية الفُصحى! ثم نقرأ بعدها السياق الذي جاءت به الآية في العهد القديم، لنختتم بالنصوص الواضحة الصريحة التي تُثبت أن السيد المسيح بار قدوس بلا أي عيب أو خطية، ليس فقط حسبما جاء في الكتاب المقدس، لكن حسبما ورد في كتابات آباء الكنيسة الأوائل.
فاللَّعْن حسب قواميس (لسان العرب/ الصَّحَّاح/ مقاييس اللُّغة) هو الطَّرْد والإبعاد والعذاب!
فتأتي عبارة لعنه الله بمعنى “طرده وأبعده عن رحمته واستحقَّ العذابَ الشديد!”
فالملعون إذا هو: المطرود، المُعذَّب، الذي تمَّ إبعادُه! أمَّا اللَّعن حسب اللغة العِبريَّة التي كُتِبَ بها العهد القديم، تُعني الفَصْل والتشويه وهي عكسٌ لكلمة بركة!

 لكن لماذا كان الصليب تحديدا رمزا للعنة؟!

لم يرد ذِكر كلمة صليب في العهد القديم، لكن وردت كلمة خشبة، وهذا ما نجده في سفر التثنية (21: 22-23) «وَإِذَا كَانَ عَلَى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا الْمَوْتُ، فَقُتِلَ وَعَلَّقْتَهُ عَلَى خَشَبَةٍ، 23 فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا.”
من هذا المقطع نفهم بوضوح لماذا اختار الرب يسوع له كل المجد الموت صلبا؛ لأن هذه الميتة كانت تُشير للخزي الشديد الذي يصاحب من يرتكب خطايا كبيرة، وهو أتى أرضنا ليحمل عنا جُرم وفظاعة خطايانا، فلم يصر لعنة، بالصليب، بل حملة عنا اللعنة من خلال الصليب.
نأتي للآية التي ابتدأنا بها هذه المقالة، حينما قال بولس الرسول إنَّ: «المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا»؛ هنا لم يكن يُعني أبدا أن المسيح نفسه ملعون، بل حمل اللعنة التي كانت علينا كنتيجة طبيعة الخطية التي توارثتها البشرية عن آدم، الذي انفصل عن الله، وبسببه دخل الشر والموت والفساد إلى العالم! اللعنة هنا إنما تشير إلى حالة الخزي والعقاب الشديد، لا إلى طبيعة السيد المسيح الأخلاقيَّة!
وبالعودة لمعنى الكلمة بحسب قواميس اللغة العربية وبحسب اللغة العبرية، وحسب سياق هذه الآية، نجد معناها أن الرب يسوع طوعا واختيار وحبا، حَمَلَ نيابةً عنا خزي انفصالنا عن الله، وحمل العقاب الشديد الذي تستحقه البشرية، التي كانت قبل عمله الخلاصي مفصولة تماما عن الرب. حمل كل هذا عنا كي لا نعبر في هذه الآلام الأرضية والأبدية، ونقدر أن ننال بإيماننا بالرب طبيعة جديدة يمكننا من خلالها التواصل مع الله! “لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.” (كورنثوس الثنية 5: 21).

 شهادات حيَّة عن بر المسيح وصلاحه

من الهام جدا ملاحظة، أنَّ:
– المسيح على الصليب لم يكن تحت دينونة الله عليه شخصيا، بل كان يتحمل دينونة الرب على البشر نيابةً عنهم.
– وأن السيد المسيح بشهادة الجميع كان بارًّا بلا خطية، حسب شهادة كثيرين، مثل:
• بيلاطس البنطي:
“فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلًا: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!»” (مت 27: 24).
• قائد المئة
فَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ مَا كَانَ، مَجَّدَ اللهَ قَائِلًا: «بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا!» (لو 23: 47)
• اللص التائب
أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْل، لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ». (لو 23: 41).
• شهادات لبعض آباء الكنيسة الأوائل عن الصليب واللعنة!
• البابا أثناسيوس الرسولي
صار خطية ولعنة لا لحسابه بل لحسابنا…. صار لعنة لأنه حمل لعناتنا.
• القديس أمبروسيوس
كيف يمكن أن يكون خطية ذاك الذي يحررنا من الخطية؟ وكيف يمكنه أن يكون لعنة ذاك الذي يفدينا من لعنة الناموس؟ دُعي لعنة من أجلي، هذا الذي حطم لعنتي.
• القديس غريغوريوس النزينزي
إذ بجلداته شَفي جراحاتنا وبموته طرد الموت العام الذي سيطر على كل البشرية. من أجلنا أطاع حتى صار “خطية” و”لعنة” بتدبيره لحسابنا؛ لم يكن هكذا بالطبيعة، إنما صار كذلك من أجل حبه للإنسان.
• القديس غريغوريوس النيسي
بالناموس صرنا تحت اللعنة، بينما بنعمة المسيح خلصنا منها.
ختاما.. المسيح لم يكن أبدا ملعونا، بل بار لم يرتكب خطية ولو واحدة. إنما حمل نيابة عَنَّا لعنة الخطية ليخلصنا ويفيدنا ويحررنا من نتائجها الأرضية والأبدية، فصار الصليب علامة حب ورحمة وغفران وبذل وتضحية! صار افتخارا وليس عارا!
إعداد/ مينا نبيل 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك