التجسد

Roma

 

التجسد عقيدة مسيحية هامة نفسرها في نقاط محددة هي:

  1. معنى التجسد

جاء في إنجيل البشير يوحنا:”فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ…. وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا”            ( إنجيل يوحنا أصحاح 1 عدد 1-14)

فالتجسد يعني: أن أقنوم الكلمة أو الابن (اللاهوت) اتخذ جسدًا دون أي تغيير في اللاهوت ورأيناه بصورة مرئية الكلمة اتخذ جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده.

وأيضًا التجسد هو تواضع وإخلاء الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ…. أَخْلَى نَفْسَهُ.. صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي الأصحاح الثاني). فأقنوم الابن حجب بالناسوت مجد اللاهوت، وحد طوعًا من استخدام صفاته اللاهوتية أثناء وجوده على الأرض.

  1. إمكانية التجسد

من المؤكد أن الله قادر على كل كل شئ، ونحن نؤمن أن الله يستطيع أن يفعل كل شئ يتفق مع طبيعته وصفاته. فالله يدعى القدير، كما ذكر في: (سفر التكوين أصحاح 17 عدد1، رؤيا يوحنا اللاهوتي أصحاح 4 عدد 8) ،ومن ثم فهو يقدر أن يعمل كل الأشياء التي يريدها (سفر أيوب أصحاح 42 عدد 2) ، فكل الأشياء ممكنة عنده (إنجيل متى أصحاح 19 عدد6)، ولا يعسر عليه أمر (سفر أرميا أصحاح 32 عدد17)، ومن ثم إذا أراد الله أن يظهر في صورة إنسان، فإنه يستطيع أن يفعل ذلك، ومن ينكر هذا فأنه ينسب إلى الله العجز وعدم المقدرة، وهذا محال.

وإذا كان الله قد تكلم إلى موسى من خلال العليقة، فإنه يستطيع أن يتجسد في صورة إنسانية، فالإنسان هو أفضل وأحسن خليقة على الأرض، فالإنسان مخلوق على صورة الله (خُلق الإنسان على صورة الرحمن، وهو خليفة الله على الأرض).

  1. النصوص الكتابية التي تعلن عن التجسد

نحن نؤمن بالتجسد لأن هذا هو إعلان الله لنا في الكتاب المقدس، وهو “الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ” (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس أصحاح 3 عدد 16)، والمعصوم من الخطأ. وفيما يلي بعض هذه النصوص الكتابية:

  • (إنجيل يوحنا أصحاح 1عدد 1-14) فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ.وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ
  • (رسالة يوحنا الرسول الأولى أصحاح 4 عدد 2-3) كُلُّ روحٍ (تعليم) يَعتَرِفُ بيَسوعَ المَسيحِ أنَّهُ قد جاءَ في الجَسَدِ فهو مِنَ اللهِ وكُلُّ روحٍ لا يَعتَرِفُ بيَسوعَ المَسيحِ أنَّهُ قد جاءَ في الجَسَدِ، فليس مِنَ اللهِ. وهذا هو روحُ ضِدِّ المَسيحِ”.
  • (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس أصحاح 3 عدد16) وبالإجماعِ عظيمٌ هو سِرُّ التَّقوَى: اللهُ ظَهَرَ في الجَسَدِ”.
  • (الرسالة إلى العبرانيين أصحاح 2 عدد14) “فإذْ قد تشارَكَ الأولادُ في اللَّحمِ والدَّمِ اشتَرَكَ هو (أي المسيح) أيضًا كذلكَ فيهِما، لكَيْ يُبيدَ بالموتِ ذاك الذي له سلطان الموت (أي إبليس)”.
  • (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية أصحاح 4 عدد 4و5) “ولكن لَمّا جاءَ مِلءُ الزَّمانِ، أرسَلَ اللهُ ابنهُ مَوْلودًا مِنِ امرأةٍ، مَوْلودًا تحتَ النّاموسِ. ليَفتَديَ الّذينَ تحتَ النّاموسِ، لنَنالَ التَّبَنّيَ“.
  1. ضرورة التجسد

هناك امكانية لأن يظهر الله بصورة مرئية، فهو وإن كان لاهوتًا غير مادي ومن ثم فهو غير مرئي ولكن باتخاذه جسد يمكن أن يُرَى. والسؤال المنطقي: هل هناك ضرورة أن يفعل ذلك؟ من المؤكد أن الله لا يفعل شيئًا عبثًا فالتجسد كان ضروريًا لما يلي:

  • خلاص وفداء البشرية

خلق الله الإنسان على صورته، ووضعه في الجنة، وأخطأ الإنسان، وطُرِد من محضر الله، وورث البشر طبيعة آدم التي تميل إلى فعل الشر، وفقدوا حالة البر والقداسة، وكانت خطة الله الأزلية هي فداء الإنسان، عن طريق موت ابنه، لذلك اتخذ أقنوم الكلمة جسدًا لإتمام عمل الفداء بموته على الصليب.

  • هناك أسباب أخرى للتجسد مثل:

    1. لينقض أعمال إبليس”لأجلِ هذا أُظهِرَ ابن اللهِ لكَيْ يَنقُضَ أعمالَ إبليسَ” (رسالة يوحنا الرسول الأولى أصحاح 3 عدد 8 ) وانظر أيضًا (الرسالة إلى العبرانيين أصحاح  2 عدد 14و15).
    2. ليعلن لنا الآب: “اللهُ لم يَرَهُ أحَدٌ قَطُّ. الِابن الوَحيدُ الّذي هو في حِضنِ الآبِ هو خَبَّرَ” (إنجيل يوحنا أصحاح 1 عدد 18 )
    3. ليؤكد صدق مواعيد الله، في إعلانه المتكرر عن خلاص وفداء الإنسان (سفر التكوين أصحاح 3 عدد15…إلخ)
    4. كيفية التجسد

إن البعض يرفض التجسد، لأنه يرى في هذا تقليل من شأن الإله، أو يرى في ذلك استحالة. فكيف للإله القدوس أن يتجسد في رحم امرأة؟ وكيف لغير المحدود أن يُحَد بالرحم أو بالقبر، وكيف للإله أن يأكل ويشرب ويغوط ويتعب وينام؟ والجواب على هذه الأسئلة، هو أن الله كلي الوجود أي موجود في كل مكان في نفس الزمن، ولذلك فهو لم يُحَد أو ينحصر أو يتحيز، ثم أن المسيح إله كامل وإنسان كامل. وباعتبار إنسانيته فهو يأكل ويشرب ويمارس كل الأعمال التي تتعلق بالطبيعة الناسوتية. ونوضح امكانية التجسد من خلال الإنسان، فالإنسان روح غير مادية، وجسد مادي، ورغم ذلك اتحدا، فكل منهما يحتفظ بخصائصه، ورغم احتفاظ كل منهما بخصائصه يكونا من اتحادهما ذات واحدة.

                 وهناك بعض الأمور الهامة التي لابد أن نضعها في الاعتبار مثل:

  1. أقنوم الابن (اللاهوت)،اتخذ جسدًا (الناسوت)، فاتحد غير المادي بالمادي، ولكن لم يصبح اللاهوت غير المحدود وغير المادي، محدودًا أو ماديًا أو متحيزًا وأيضًا لم يصبح الجسد المحدود غير محدودًا.
  2. الطبيعتان اللاهوتية والناسوتية اتحدتا معًا بدون اختلاط أو امتزاج أو تحول ومن ثم فالمسيح ذات واحدة، له طبيعتان، فهو إله كامل وإنسان كامل.
  3. التجسد ليس تحول اللاهوت إلى ناسوت، أو تحيزه بحيز، أو تعرضه لأي تغير، بل هو اتحاد اللاهوت والناسوت معًا في وحدة حقيقية.
  4. مع اتحاد اللاهوت بالناسوت، احتفظ كل منهما بخصائصه، فلم يتحول اللاهوت إلى ناسوت ولم يتحول الناسوت إلى لاهوت، ولم يمتزج أو يختلط أحدهما بالآخر
  5. إن اللاهوت وإن كان يختلف عن الناسوت اختلافًا جوهريًا، إلا أن اتحادهما معًا في المسيح كان اتحادًا كاملاً، فالمسيح ذات واحدة.
  6. إن الصفات الإلهية تنسب إلى الطبيعة الإلهية، والصفات الإنسانية تنسب إلى الطبيعة الإنسانية، وصفات أي طبيعة لا تنسب إلى الأخرى، ولكن كلتا الطبيعتين تنسبين بصورة صحيحة إلى شخص المسيح (لم يحدث انتقال للصفات بين الطبيعتين)

وفي الختام لا ننسى أن الحديث هنا عن المسيح الله الظاهر في الجسد، وكل مايتعلق بالله يفوق إدراك عقولنا البشرية المحدودة، فالتجسد قضية إيمانية، وكل ماهو إيماني ليس ضد العقل، ولكنه سمو عن إدراك العقل وهو إعلان إلهي.

 

  • ملحوظة: لمزيد من الدراسة حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى كتاب: “إلوهية المسيح إعلان إلهي أم اختراع بشري؟”
  • الكاتب  د.فريد صموئيل

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك