إيماني .. هل يُقرِّبُني إلى الله؟

Roma
إيماني .. هل يُقرِّبُني إلى الله؟

 إيماني .. هل يُقرِّبُني إلى الله؟

نحمل جميعًا معتقداتٍ روحيَّةً نشأنا عليها، أو تبنَّيناها لاحقًا في الحياة. لكن يبقى السُّؤالُ الجَوهريُّ: هل ما أؤمن به يُقرِّبُني حقًّا إلى الله؟ إم يُزيدني خوفًا منه، ورُعبا من مصير ما بعد الموَت؟!
هل ما أؤمن به يجعلني أعبد الله حبًّا له؟ أم خوفًا من عقابه الشديد، في محاولاتٍ مني لاجتناب غضبه؟!
غضبه هنا على الأرض، وانتقامه الأبدي المستمر المُسْتَعِر فيما بعد الموت؟!
ليس الهدف أن ننتقد إيمان أحد، بل أن نتوقَّفْ لحظةً ونُفكِّر: هل يقودني هذا الإيمان إلى السَّلام الحقيقي، إلى التغيير، إلى محبَّة الله والبشر،

أم يجعلني أعيش مجرَّد نظامٍ بلا روح؟

المهمُّ ليس فقط أن أؤمن، بل بماذا أؤمن ولماذا. فالإيمان ليس مجرَّدَ تقليدٍ توارثتُه أبًا عن جَد، بل عَلاقةٍ حيَّة مع إلهٍ حيٍّ، يحبني ويقبلني كما أنا بعيوبي قبل صفاتي الحسنة، يحبني محبةً غير مشروطة، مبنية على قيمتي لديه، محبة قادرة أن تغير قلبي بالحب، بدلا من أن تكسر قلبي بالخوف؟! معًا هي نُفكر بشيءٍ من

التَّفصيل والتحليل في هذا الأسئلة المنطقيَّة البسيطةّ.

١. هل يُقرِّبُني من الله أم يُخيفني منه؟

الإيمانُ الحق لا يصنع في نفسي رُعبًا من الله، بل يزرع رهبةً مقدَّسةً مبنيَّةً على المحبَّة؛ فالله يريد علاقة بنوَّة، لا عبوديَّة تقوم على الخوف من العقاب. يريد قلبًا ينبض شوقًا إليه، لا جسدًا يرتعش خوفًا من عذابه. هكذا يُخبرنا الكتاب المقدس عن حقيقة هامة عن المحبة: “فِي الْمَحَبَّةِ لَا خَوْفَ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ” (١يُوحَنَّا ٤: ١٨). عليَّ أن أكون صريحًا مع نفسي وأتساءل: هل إيماني يجعلني أهرب من الله، أم أشتاق أن أقترب منه وأحتمي فيه؟ هذا هو الامتحان الحقيقي.

٢. هل يمنحني سلامًا داخليًّا؟

سلام الله ليس نتيجةً لغياب المشاكل، بل نتيجة لحضوره في القلب. إنه سلامٌ لا يمكن للعالم الخارجي المحيط بنا أن يمنحه، ولا أن ينتزعه؛ لأنه ينبع من ثقة عميقة في محبة الله لي الله وقدرته على قيادة أمور حياتي بحكمة ورحمة وراحة وتعليم وإرشاد. فإذا كانت معتقداتي لا تمنحني راحة عميقة وثقة وسط العاصفة، فهل هي تعبِّر فعلًا عن الله الحي؟ يقول الرب في الكتاب المقدس “قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهٰذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلَامٌ” (يُوحَنَّا ١٦: ٣٣). الإيمان الذي لا يُشعل في قلبي

طمأنينة، يحتاج إلى مراجعة جذوره.

٣. هل يغيّرني إلى الأفضل؟

الإيمان الحقيقي لا يتركني كما أنا، بل يُحدِث فيَّ تغييرًا يومًا بعد يوم. إنه لا يقتصر على معرفةٍ فكريَّة أو ممارسة طقوس، بل يعمل في القلب، في السلوك، في ردود الأفعال. الله لا يطلب الكمال، بل قلبًا يُستجيب له ويتحوَّل للأفضل بنعمته؛ عندما أقترب من الله، تبدأ صورتي في التشبُّه به شيئًا فشيئًا؛ كأنْ أكون أحنَّ، أصدق، أكثر رحمة وعدلًا. أفهل أصبحتُ شخصًا أكثر نورًا، أكثر محبة، أكثر صدقًا؟ هذا هو مقياس صحة الإيمان.

٤. هل يدفعني لأحبَّ الآخرين .. حتى المختلفين؟

• المحبَّة الحقيقية التي نبعها الله تجعلني أقبل من قلبي المختلف عني قبل المُتَّفق. فالإيمان الصادق لا يُعلِّمني فقط أن أحب من يشبهني، بل أن أرى في المختلف عني إنسانًا له كرامة وقيمة. المحبَّة أيضًا لا تفرز الناس حسب الدين أو الجنس أو الخلفيَّة، بل ترى الجميع من خلال قلب الله.
أمَّا إذا كانت معتقداتي تزرع فيَّ رفضًا للآخرين، أو عداءً نحوهم، فعليَّ أن أتساءل: من أين جاء هذا؟

الله لا يعلِّمني أن أُقصي أو أكره، بل أن أحب حتى أعدائي. حقًّا الإيمان بالله يجعلني رحيمًا على من يجهل، لا أُدينه أو أهاجمه، لأني أنا أيضًا كنت في يومٍ ما جاهلًا بالحق والله شماني بصبره عندما كنتُ بعيدًا، بل جذبني برحمته، أفلا أُظهر هذه الرحمةَ لغيري؟

٥. هل يمنحني رجاءً… لا خوفًا من المصير الأبدي؟

• ثقة لا ارتباك

إن كان إيماني يملؤني قلقًا دائمًا من الموت أو من الآخرة، فهل هذا ما يريده الله لي؟
الإيمان لا يترك قلبي مرتجفًا، بل مطمئنًا في يد الإله الأمين.

• رجاء في الحياة الأبديَّة

“ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّة” (يُوحَنَّا ٦: ٤٧).

هذه ليست أُمنيَّة، بل وعد واضح. فالإيمان الحقيقي لا يزرع الشك في المستقبل، بل اليقين.

• يقين في الغفران

الإيمان الحقيقي يُطمئن قلبي أنَّ خطاياي قد غُفرت، وأنني محبوب ومقبول في عينيِّ الله؛ لا لأنني كامل، بل لأنني وثقتُ به. فحين أعلم أن ذنبي قد رُفع، أعيش في فرح وحريَّة، لا في خجلٍ مستمرٍّ.

ختامًا .. ما تؤمن به ليس مجرَّد فكرة ذهنيَّة أو ميراث ديني، بل طريق تسلكه كل يوم. إيمانك إمَّا أن يُحرِّرك أو يُقيِّدك، إمَّا أن يملأك بالرجاء أو يُثقلك بالخوف. الله لا يدعوك لتبديل دينك، بل لتختبره بنفسك، وتسأله بصدق: “يا رب، إن كنتَ موجودًا حقًّا، عرِّفني ذاتك. أرني الطريق إليك، واملأ قلبي بسلامك.”
ابدأ هذه الرحلة بالصلاة، بقراءة كلامه، بصدق البحث. إن فتَّشت عنه من كل قلبك .. ستجده.
ونحن هنا معك لمساعدتك، لو لديك أي تساؤلات لا تتردد في أن تُرسل إلينا فورًا وسنتواصل معك بكل محبة وتقدير وقبول.

الكاتب/ مينا نبيل 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك