طاعة الكلمة سِرُّ البركة

Roma
طاعة الكلمة سِرُّ البركة

  طاعة الكلمة سِرُّ البركة

يُعَدُّ أصحاح ٢٦ من سفر اللاويِّين مع أصحاح ٢٨ من سفر التثنية

من النصوص المحوريَّة في الكتاب المقدَّس. 

ففي هذين الأصحاحين يُقدَّم لنا مبدأ روحيًّا عميقًا: نجاح الإنسان أو فشله في حياته يرتبط ارتباطًا مباشرًا بموقفه من كلمة الله، إمَّا طاعة تجلب البركة أو عصيان يجلب اللعنة. هذه الحقيقة لم تكن مجرَّدَ تعليمٍ للشعب القديم، بل هي رسالة حيَّة لنا اليوم أيضًا، لأنَّ كلمة الله ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان.

   أوَّلًا: بركات الطاعة لوصايا الله

الطاعة ليست مجرَّدَ واجبٍ ثقيل، بل هي طريقٌ إلى الحياة المملوءة فرحًا وسلامًا. يقول الكتاب: «إِنْ سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي، وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، أُعْطِي أَمْطَاكُمْ فِي حِينِهَا، وَتُعْطِي ٱلْأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَتُعْطِي ٱلشَّجَرَةُ ثَمَرَهَا» (لاويِّين ٢٦: ٣-٤). هذا الوعد يكشف أنَّ بركة الله تشمل الجوانب الروحيَّة والماديَّة معًا. فالذي يسلك بحسب كلمة الله يختبر بركةً في بيته وعمله، ويشعر أنَّ يد الله تسنده في كل خطوة.

يضيف الرب قائلًا: «وَأَجْعَلُ سَلاَمًا فِي ٱلْأَرْضِ فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ» (لاويّين ٢٦: ٦).

فحين نضع وصايا الله في مقدّمة حياتنا، نصير في دائرة بركته، ونختبر حمايةً ترفع عنَّا الاضطراب، وفرحًا يملأ قلوبنا حتَّى في وسط التحدِّيات.

  ثانيًا: عواقب العصيان وإهمال الكلمة

كما أنَّ الطاعة تجلب البركة، فإنَّ العصيان يقود إلى عواقب وخيمة. يعلن موسى للشعب:

«وَلَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي، وَلَمْ تَعْمَلُوا كُلَّ هَذِهِ ٱلْوَصَايَا… أُقِيمُ عَلَيْكُمُ ٱلرُّعْبَ، ٱلْمَرَضَ ٱلْمُهْلِكَ وَٱلْحُمَّى ٱلْمُحْرِقَةَ ٱلْعَيْنَيْنِ وَٱلْمُنْحِلَةَ ٱلنَّفْسِ» (لاويِّين ٢٦: ١٤، ١٦).

إنَّها صورة مرعبة لحياة بلا بركة، حيث يسيطر الخوف ويذبل الرجاء.

حين يُهمِل الإنسان كلمة الله، ينكسر التوازن في بيته، وتفقد علاقاته المحبة والانسجام. وكم من أسر تمزَّقت بسبب رفضها لطرق الله! فالذي يُكرم كلمة الرب ينعم بالبركة في زواجه وعائلته، أمَّا الذي يتجاهلها فيحصد الانقسام والمرارة. وكذلك في مجال العمل، الطاعة تجلب النجاح والثمار، بينما العصيان يجعل الجهد بلا نتيجة.

العصيان ليس فقط رفضًا خارجيًّا للوصايا، بل قد يكون لامبالاة أو استهانة. وربَّما يقرأ الإنسان الكتاب المقدَّس بلا تطبيق عملي. مثل هذا القلب يفتح الباب للفراغ الروحي وللشعور بالضياع. لذلك يكرِّر الوحي أنَّ موقفك من كلمة الله أمرٌ مصيريٌّ لا يُحتمَل فيه التهاون.

 ثالثًا: رحمة الله ودعوته إلى التوبة

رغم أنَّ العصيان يجلب اللعنة، إلا أنَّ قلب الله ممتلئ بالرحمة. يقول الكتاب:

«فَإِذَا ٱعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ… أَذْكُرُ عَهْدِي مَعَ يَعْقُوبَ، وَعَهْدِي مَعَ إِسْحَاقَ،

وَعَهْدِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ أَذْكُرُ» (لاويّين ٢٦: ٤٠-٤٢).

الله يدعو شعبه إلى التوبة، ويعد بأن يبدِّل الغضب إلى رحمة إذا رجعوا إليه بصدق.

ويؤكِّد العهد الجديد هذه الحقيقة بقول الرسول يوحنّا: «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (١يوحنّا ١: ٩). التوبة ليست مجرد مشاعر ندم، بل رجوع عملي إلى الله وإرادة جديدة تسلك في وصاياه. الله مستعدٌّ دائمًا أن يغفر، أن يشفي، وأن يمنح بداية جديدة. لذلك لا مجال لليأس، لأنَّ نعمته أعظم من خطايانا.

   الخاتمة

يضع أصحاح ٢٦ من سفر اللاويِّين أمامنا طريقين واضحين: طريق الطاعة الذي يقود إلى البركة، وطريق العصيان الذي يقود إلى اللعنة. الخيار مطروح أمام كل واحد منَّا اليوم: هل سنحيا في طاعة كلمة الله أم في تجاهلها؟

لنتذكَّر أنَّ محبَّة الله غير مشروطة، لكنَّ وعوده مرتبطةٌ بالالتزام بوصاياه. لذلك، قبل أن نطلب بركات الرب، لنفحص قلوبنا ونسأل: هل نحن أمناء في طاعة كلمته؟ فلنرجع إليه بالتوبة، ولنضع كلمته أوَّلًا في حياتنا. حينئذٍ سنختبر سلامًا عميقًا، وبركة تشمل كل مجالات حياتنا، وفرحًا لا يستطيع العالم أن ينزعه منَّا.

فلنصلِّ قائلين: يا رب، أعنَّا أن نسلك في طاعة وصاياك، وأن نعيش بحسب كلمتك، لكي نختبر غنى وعودك وننعم ببركاتك في بيوتنا وأعمالنا وكنائسنا. آمين.

الكاتب/ الدكتور القس هاني ظريف – راعي الكنيسة الإنجيليَّة بالملك الصالح

 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك