سفر إشعياء والصراع الفلسطيني–الإسرائيلي

Roma
سفر إشعياء والصراع الفلسطيني–الإسرائيلي

سفر إشعياء والصراع الفلسطيني–الإسرائيلي

قراءة نقدية في حدود التفسير اللاهوتي وتسييس النبوة**

مقدمة

خرجت علينا مذيعة مصرية وتكلمت عن الانجيليين الذين يريدون تبييض اسرائيل، والحقيقة لن أتكلم عن كل هذه الأخبار فقد تولى متخصصين هذا الأمر، لكني سأتكلم عن سفر أشعياء، الذي جاء اسمه ضمن هذا الحوار، وفي الحقيقة كثيرًا ما يُستدعى الكتاب المقدس، وبخاصة أسفار الأنبياء، لتبرير مواقف سياسية معاصرة، ويأتي سفر إشعياء في مقدمة النصوص التي يُساء توظيفها ضمن الخطاب الديني الداعم لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين. غير أن السؤال الجوهري الذي يجب طرحه ليس: هل يمكن اقتطاع آيات من إشعياء لخدمة موقف سياسي؟

هل يسمح النص، في سياقه التاريخي واللاهوتي، بمثل هذا الاستخدام أصلًا؟

تهدف هذه الدراسة إلى فحص سفر إشعياء فحصًا نقديًا، للكشف عمّا إذا كان يحتوي على ما يبرّر دينيًا أو أخلاقيًا دعم إسرائيل (كدولة حديثة) ضد الشعب الفلسطيني، أم أن هذا التوظيف هو إسقاط أيديولوجي على نص نبوي أخلاقي.

أولًا: الإطار التاريخي لسفر إشعياء

ينتمي سفر إشعياء إلى القرن الثامن قبل الميلاد، ويخاطب واقعًا سياسيًا ودينيًا محددًا يتمثل في: مملكة يهوذا وتهديد الإمبراطورية الآشورية … كما يناقش سفر أشعياء الانهيار أخلاقي داخلي في المجتمع اليهودي

إسرائيل التي يتحدث عنها إشعياء ليست كيانًا قوميًا حديثًا، ولا دولة ذات سيادة بمعناها السياسي المعاصر، بل جماعة عهد ديني تربطها بالله علاقة مشروطة بالطاعة والعدل. ومن ثم، فإن أي محاولة لربط نصوص إشعياء مباشرة بدولة إسرائيل الحديثة (1948) تُعد خرقًا صارخًا لقواعد التفسير التاريخي–النقدي.

ثانيًا: الموقف النبوي لإشعياء من إسرائيل نفسها

من اللافت أن سفر إشعياء من أكثر الأسفار قسوة في نقد إسرائيل. فهو لا يقدّمها كضحية دائمة،

ولا كشعب يمتلك حصانة أخلاقية بسبب الاختيار الإلهي.

«وَيْلٌ للأُمَّةِ الخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ… تَرَكُوا الرَّبَّ» (إش 1: 4)

هذا الخطاب ينزع عن إسرائيل أي قداسة سياسية أو قومية، ويعيد تعريف العلاقة مع الله على أساس أخلاقي صرف. بل إن إشعياء يربط خراب الأرض نفسها بسلوك الشعب:

«أَرْضُكُمْ خَرِبَةٌ، مَدَائِنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ» (إش 1: 7)

الأرض، في فكر إشعياء، ليست حقًا أبديًا غير مشروط، بل وديعة أخلاقية يمكن أن تُسحب عند الظلم والفساد.،

أو بمعنى آخر عند تمرد اسرائيل ويعدها عن الله، ونحن نرى أن هذا التمرد قد تم بالفعل بعدم قبولهم المسيح ورسالته،

وبالتالي دمروا في سنة 70 ميلادي وانتهى امرهم بلا رجعة

ثالثًا: العدل بوصفه المعيار الأعلى في سفر إشعياء

المفتاح التفسيري الأساسي لسفر إشعياء هو مركزية العدل الاجتماعي. فالنبي يرفض عبادة منفصلة عن إنصاف المظلوم:

«تَعَلَّمُوا الإِحْسَانَ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ» (إش 1: 17)

في هذا الإطار، لا يمكن استخدام إشعياء لتبرير اضطهاد شعب أو شرعنة عنف ممنهج، لأن النص نفسه يدين الظلم أيًا كان فاعله.

فالهوية الدينية أو القومية لا تمنح امتيازًا أخلاقيًا في نظر النبوة.

رابعًا: إشعياء والأمم الأخرى (ومنهم الفلسطينيون تاريخيًا)

يذكر إشعياء الفلستيين (وهم الأسلاف التاريخيون للفلسطينيين، وربما يكون مجرد تشابه أسماء )

في سياق نبوي محدود مرتبط بصراعات القرن الثامن ق.م (إش 14: 29–32). غير أن هذه النصوص:لا تمنح تفويضًا دائمًا بالعداء،

ولا تبرّر صراعًا ممتدًا عبر العصور، ولا تُحوَّل إلى مبدأ لاهوتي مطلق

بل إن الرؤية الأشمل لسفر إشعياء هي رؤية سلام أممي

:«فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ… فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا… لاَ تَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِيمَا بَعْدُ» (إش 2: 4) هذه الرؤية تنقض فكرة الصراع المقدّس الدائم،

وتضع نهاية للعنف القومي بوصفه وسيلة لتحقيق مقاصد الله.

خامسًا: نقد الاستخدام المسيحي الصهيوني لسفر إشعياء

يعتمد الخطاب المسيحي الصهيوني على: اقتطاع غير مبرر لنصوص الوعود وإسقاطها على واقع سياسي حديث وتجاهل شروطها الأخلاقية والسياقية

غير أن إشعياء نفسه:لا يقدّس الدولة ولا يبرّر الجيوش ولا يمنح وعدًا أرضيًا غير مشروط ولا يبرر ظلم الآخر باسم الاختيار

ومن ثم، فإن استخدام سفر إشعياء لتبرير دعم غير مشروط لإسرائيل ضد الفلسطينيين هو: خدعة استعماري وليس   تفسيرًا نقديًا ولا قراءة لاهوتية أمينة للنص

خاتمة

إن سفر إشعياء، بوصفه نصًا نبويًا أخلاقيًا، لا يقدّم أي أساس كتابي لتبرير دعم إسرائيل الحديثة في صراعها مع الفلسطينيين. بل على العكس، فإن روحه اللاهوتية تقف ضد الظلم، وتدين العنف، وتربط العلاقة مع الله بالعدل والرحمة لا بالانتماء القومي.

عماد حنا

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك