الفرق بين “النَّصارى” و”المسيحيين”

Roma
الفرق بين “النَّصارى” و”المسيحيين”

 الفرق بين “النَّصارى” و”المسيحيين”

       دراسة لُغوية ولاهوتية وتاريخية أكاديمية بعنوان: “المسيحية والنَّصرانية: دراسة مقارنة بين المفهومين في المصادر المسيحية والإسلامية”.

 الملخص: 

  تهدف هذه الدراسة إلى إيضاح الفرق الجوهري بين مفهومي “النَّصارى” و”المسيحيين”، من حيث الأصل اللُّغوي والسياق التاريخي والدلالة اللاهوتية.
بينما يُستخدم مصطلح “نَصارى” في النصوص الإسلامية للإشارة إلى أتباع عيسى، فإن التقليد المسيحي الكتابي والكنسي استخدم بوضوح مصطلح “مسيحيين”؛ لوصف الذين آمنوا بأن يسوع هو المسيح، ابن الله المتجسد. ونستعرض في هذه الورقة التحليل اللُّغوي للنصوص اليونانية والسريانية، ونستند إلى أقوال الآباء والمجامع المسكونية الأولى؛ لتمييز العقيدة المسيحية الجامعة، عن الطوائف المنحرفة التي يُحتمل أن تشير إليها عبارة “النَّصارى” في المصادر الإسلامية.

 المقدمة

في سياق الحوار الإسلامي المسيحي، يبرز كثيرًا مصطلح “النَّصارى”؛ للإشارة إلى أتباع المسيح. غير أن هذا التوصيف لا يعكس بدقة هوية المسيحيين بحسب الإيمان الرسولي والكنيسة الجامعة. فالمصطلح القرآني “نَصارى” يبدو مشيرًا إلى طوائف معينة، نشأت في بيئة يهودية- مسيحية، تحمل تصورات مختلفة عن يسوع الناصري، وهي لا تمثل المسيحية الأرثوذكسية.
• الجذر اللُّغوي والتحليل النَّصي
في العهد الجديد، نجد استخدامًا واضحًا لمصطلح “مسيحيين” (Χριστιανοί – Christianoi) في أعمال الرسل 11:26 “ودُعي التلاميذ أولًا في أنطاكية مسيحيين.”:
“Ναζωραῖος” (Nazōraios) فهي لقب للمسيح يشير إلى انتمائه إلى مدينة الناصرة ) متى ٢: ٢٣
– أما كلمة “نصارى” القرآنية فهي مشتقة على الأرجح من هذا المصطلح أو من “أنصار عيسى”، ولكنها لا تعكس اللقب الكنسي الجامع، هنا وجب علينا أن نلقي قليلآ من الضوء علي كلمة “شيعة الناصريين” الواردة في سفر أعمال الرسل ٢٤: ٥، في سياق محاكمة بولس الرسول أمام الحاكم فيلكس، إذ يتحدث ترتلس المُدَّعي عنه قائلًا:

“فَإِنَّنَا إِذْ وَجَدْنَا هذَا الرَّجُلَ مُفْسِدًا وَمُهَيِّجَ فِتْنَةٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي الْمَسْكُونَةِ، وَمِقْدَامَ شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ،” (أع 24: 5).
• وردت عبارة “شيعة الناصريين” في الأصل اليوناني:

πρωτοστάτην τῆς τῆς τῶν Ναζωραίων αἱρέσεως (prostatēn tēs tēs tōn Nazōraiōn haireseōs)
ومعناها الحرفي: “رأس شيعة الناصريين” أو “قائد بدعة الناصريين”.
• تحليل لاهوتي ولُغوي:
الكلمة المستخدمة هنا هي Ναζωραῖοι (Nazōraioi) وهي لا تُعني “مسيحيين” كما استُخدم اللقب لاحقًا في الكنيسة، بل تعبير استخدمه خصوم الإيمان؛ لتصنيف أتباع المسيح كمجموعة يهودية- منحرفة عن الناموس.
كلمة “بدعة” (αἵρεσις – hairesis) لم تكن تحمل بالضرورة المعنى السلبي في بدايات استخدامها، لكنها هنا تُستخدم بتهمة قانونية/ دينية.
نلاحظ أن هذا اللقب (Nazōraioi) لم يكن لقبًا لاهوتيًا اعتمده المسيحيون الأوائل لأنفسهم، بل وصفًا خارجيًا من قِبل المعارضين.
لاحقًا، صارت الكنيسة تستخدم لقب (مسيحيين) – “Christianoi” في أنطاكية (أعمال ١١: ٢٦) كلقب كنسي لاهوتي يعكس هوية روحية، لا مجرد انتساب جغرافي أو حزبي.
بالتالي، فإن استخدام لفظ “ناصريين” في ( أعمال الرسل ٢٤: ٥) لا يعكس هوية المسيحيين كما أرادها الروح القدس للكنيسة، بل هو اتهام مُغرض من سلطة دينية يهودية أرادت أن تَظهر المسيحية كتيار منحرف داخل اليهودية.

 المسيحيون في الكتاب المقدس

      من الواضح أن التسمية المسيحية جاءت من الاعتراف بيسوع بصفته “المسيح” – أي الممسوح من الله، المخلّص المنتظر. في حين أن مصطلح “النصارى” لم يُستخدم أبدًا في العهد الجديد للإشارة إلى المؤمنين الحقيقيين. بل إن المسيحيين أنفسهم كانوا يرفضون التسمية الجغرافية (Nazarenes) عندما أصبحت مرتبطة بطوائف منحرفة لاهوتيًا.

   مَن هم النصارى في السياق التاريخي؟

تُشير الدراسات التاريخية إلى وجود طوائف تُدعى “النَّصارى” أو “الناصريون” ظهرت في القرنين الثاني والثالث الميلادي، أبرزها الإبيونيون. وقد وصفهم الآباء (مثل إيريناوس، ويوحنا الدمشقي) بأنهم طوائف مهرطقة أنكروا لاهوت المسيح وتمسكوا بالناموس اليهودي، ورفضوا بولس الرسول. ومن المرجَّح أن تكون هذه الطوائف – أو ما تبقى منها – هي التي تَعامَل معها الإسلام عند ظهوره.

• استخدام كلمة “النَّصارى” في القرآن

    وردت كلمة “النَّصارى” في عددٍ من المواضع القرآنية، منها:
• المائدة 82: “ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى..”
• التوبة 30: “وقالت النصارى المسيح ابن الله..”
• النساء 171: “ولا تقولوا ثلاثة..”
لكن لم يذكر القرآن شيئًا عن المجامع الكنسية أو العقائد المسيحية الجامعة، ما يشير إلى أن فهمه للمسيحيين كان محدودًا أو متعلقًا بطوائف غير تمثيلية.

• نقد الترجمة والتأثر الثقافي

   تُرجمت كلمة “Nazarenes” إلى “نصارى” في الترجمات العربية للكتاب المقدس تحت تأثير الثقافة الإسلامية، رغم أن هذا المصطلح لم يُستخدم قط داخل الكنيسة الجامعة. بل يُعد في اللاهوت المسيحي تسمية غير دقيقة.
• رَفْض الكنيسة لهذا المصطلح
في السياق اللاهوتي، لا تُقبل تسمية “نصارى” لأنها تعني، من وجهة نظر المسيحية، بدعة أو فرقة خرجت عن الإيمان الرسولي. إننا مسيحيون لأننا نؤمن بأن يسوع هو المسيح، ابن الله، مخلّص العالم.

 الخاتمة

التمييز بين “النَّصارى” و”المسيحيين” ليس لُغويًا فقط، بل هو تمييز بين لاهوت مُحرَّف وإيمان رسولي مستقيم. لذلك، فإن التمسُّك بالتسمية الصحيحة هو جزء من الحفاظ على الهوية المسيحية، ومن الدعوة إلى حوار بين الأديان قائم على الحقيقة والاحترام المتبادل.
إذاً فنحن مسيحيون ولسنا نصارى ونحن نرفض رفضًا قاطعًا أن يدعونا الآخرون بأننا نصارى.

 المراجع

   • الكتاب المقدس، ترجمة فاندايك، جمعية الكتاب المقدس في لبنان.
• إيريناوس، ضد الهرطقات، الكتاب الأول.
• جيروم، التعليق على إشعياء، تفسير الآباء.
• يوحنا الدمشقي، مصدر المعرفة، الجزء الثاني: الهرطقات.
• القرآن الكريم، مع تفسير الطبري وتفسير الرازي.
• Patrick J. S. Brittenden, “Christianity in the Maghrib,” in The Handbook of the Maghrib, 2023.
• J.N.D. Kelly, Early Christian Doctrines, HarperOne, 2004.
• Jaroslav Pelikan, The Christian Tradition: A History of the Development of Doctrine, University of Chicago Press, Vol. 1 & 2.
• Avery Dulles, Models of the Church, Image Books, 2002.
• قوانين المجامع المسكونية: نيقية، القسطنطينية، أفسس، خلقيدونية مترجمة عن اليونانية).).

إعداد: د. آمال جندي أستاذ جامعي وباحث في الفكر المسيحي والعلاقات الإسلامية المسيحية.

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك