كلمة الله الخالدة للبشرية

Roma
كلمة الله الخالدة للبشرية

  كلمة الله الخالدة للبشرية

      يُعَدُّ الكتابُ المقدسُ من أهم الوثائق الدينية وأكثرها تأثيرًا في تاريخ البشرية. لا يُمثِّل هذا الكتاب العظيم مجرد مجموعة من النصوص الدينية،

بل هو رسالة إلهية عميقة تحمل في طياتها إرشادًا وحكمةً لا غِنى عنهما للإنسان في كل زمانٍ ومكان. تتناول هذه المقالة جوانبَ متعددةً من الكتاب المقدس،

بدءًا من تعريفه وتكوينه، وصولًا إلى وحيه وتنوعه اللُّغوي، ومناقشة الادعاءات المتعلقة بتحريفه.

  تكوين الكتاب المقدس وأقسامه

الكتاب المقدس ليس مجرد كتاب واحد، بل هو مجموعة من الأسفار تُعرَف بهذا الاسم الشامل،

كما هو مذكور في رسالة تيموثاوس الثانية (الإصحاح الثالث، العدد 15 )

وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.”

ينقسم الكتاب المقدس إلى جزئين رئيسيين: العهد القديم والعهد الجديد، أما العهد القديم، المعروف أحيانًا باسم “التوراة“،

هو مجموعة من الكتب التي كُتبت قبل مجيء المسيح، وجاءت لتهيئ البشرية لاستقبال العهد الجديد.

أما العهد الجديد، والذي يُطلق عليه البعض “الإنجيل”، فيركِّز على حياة وتعاليم الرب يسوع المسيح،

ويُظهِر كيف تحققت فيه جميع النبوات والوعود التي جاءت في العهد القديم.

تاريخ تدوين الكتاب المقدس يمتد لآلاف السنين. بدأت أولى أسفاره، وهي أسفار الشريعة (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية)،

بالتدوين بواسطة النبي موسى بإلهام إلهي حوالي عام 1512 قبل الميلاد.

استمرت عملية كتابة الكتاب المقدس على مدار أكثر من ١٦٠٠ سنة، وقد شارك في كتابته حوالي أربعين كاتبًا مختلفًا،

جميعهم كانوا مسوقين بالروح القدس ومعصومين عند كتابة كلمة الله.
هذا التنوع في الكُتَّاب وطول الفترة الزمنية لم يمنع تكامُل الكتاب وانسجامه التام، فهو يحمل رسالةً واحدةً متماسكةً، مُعلنةً محبة الله للبشرية دون أي تناقض.

 وحي الكتاب وتنوع لغاته

يُعدُّ الله جل جلاله المؤلفَ الحقيقيَّ للكتاب المقدس، على الرغم من استخدامه لأربعين كاتبًا بشريًا.

لذلك فالكِتاب مُقسَّم إلى أسفارٍ متعددة في كلا العهدين القديم والجديد، لكنها جميعًا تُمثل كلمة الله الواحدة. العهد القديم يتضمن أسفار الشريعة،

ثم الأسفار التاريخية، ثم الأسفار الشعرية، وأخيرًا أسفار الأنبياء (الكبار والصغار، وهو تصنيف يعتمد على طول كتاباتهم لا على مكانتهم).

أما العهد الجديد فيشمل الأناجيل الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا)، ثم سفر تاريخ الكنيسة (أعمال الرسل

ثم الرسائل المتعددة، وفي الختام سفر النبوات (الرؤيا).

بخصوص لغات الكتابة الأصلية، كُتب العهد القديم باللغتين العبرية والآرامية، بينما كُتب العهد الجديد باللغة اليونانية.

وقد تُرجم الكتاب المقدس إلى لغاتٍ عديدة جدًّا حول العالم. أول ترجمة له كانت الترجمة السبعينية، التي تمت حوالي عام 250 قبل الميلاد،

وهي موجودة حتى اليوم، ولا يوجد فيها أي تناقض مع الأصول،

فالمخطوطات الأصلية محفوظة ومتاحة.

هدف الله هو إيصال كلمته لكل إنسان في العالم؛ لذلك تمت ترجمة الكتاب المقدس إلى آلاف اللغات دون أن يتغير المعنى الأساسي.

وقد تُرجم الكتاب المقدس إلى حوالي ١٦٦٠ لغة حتى الآن؛ مما يجعله الكتاب الأكثر ترجمةً في تاريخ البشرية.

  حقيقة التحريف والبحث عن الحق

يثار أحيانًا ادعاء بتحريف الكتاب المقدس، وخاصةً مع تعدد ترجماته إلى لغات كثيرة.

هذا الادعاء يستند غالبًا إلى افتراض أن تغيير اللغة حتمًا يؤدي إلى تغيير في المعنى أو المحتوى. إلا أن هذا التصور خاطئ.
فالمؤرخون والباحثون يؤكدون أن معظم من يُروجون لفكرة التحريف لم يدرسوا أو يبحثوا في المخطوطات الأصلية،

أو عمليات الترجمة المنهجية، بل غالبًا ما يعتمدون على معلومات متوارثة غير دقيقة.
الرد على هذا الادعاء يتطلب بحثًا منهجيًا، يبدأ بسؤال جوهري: “إذا كان الكتاب المقدس قد حُرّف بالفعل، فمتى حدث هذا التحريف؟

وأين هو برهان من يدعون أنه قد حُرِفَ؟” هذا السؤال يفتح الباب أمام دراسة تاريخية ولغوية عميقة للأصول والمخطوطات،

والتي تبرهن على حفظ الكتاب المقدس ودقة ترجماته عبر العصور.

رسالة الله للبشرية هي رسالة محبة، وقد حرص على أن تصل هذه الكلمة المقدسة كاملةً وغير منقوصة إلى كل البشر بلغاتهم المختلفة،

مُحافِظاً على جوهرها وعمقها الروحي.

 الخاتمة

إن الكتاب المقدس، بتاريخه العريق وتكوينه الفريد، يظل شَهادةً حية على إرادة الله في التواصل مع خلقه. إنه يقدم للبشرية دليلاً واضحًا لمحبته، وخطة خلاص شاملة، وإرشادًا للحياة الروحية والعملية. بعيدًا عن أي ادعاءات غير مدعومة بالبراهين، يبقى الكتاب المقدس كلمة الله الحية والفعالة، والتي تستحق الدراسة والتقدير لكل باحث عن الحقيقة. أشجعك علي قراءة الكتاب المقدس، الكلمة الحية الموحي بها من الله.

المصادر:

حلقات برنامج البرهان على اليوتيوب/ حلقة ١ بعنوان:
هل الإنجيل الشريف كلام الله الموحي به ؟ برنامج البرهان الحلقة الأولى
• تقديم: د. آمال جندي أستاذ جامعي ومتخصص في الفكر المسيحي والعلاقات الإسلامية – المسيحية

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك