أعمال الرُّسُل وشهادة الكنيسة
Roma

أعمال الرُّسُل وشهادة الكنيسة
يُعَدُّ سفر أعمال الرُّسُل السِّفر الخامس من أسفار العهد الجديد، وهو الامتداد الطبيعي لإنجيل لوقا البشير. فقد أراد لوقا أن يُواصِل ما ابتدأه في إنجيله، فيُقدِّم تاريخ الرُّسُل والمبشِّرين الذين حملوا المسؤوليَّة العُظمى في نشر الأخبار السارَّة، بدايةً من أُورشليم، ثم اليهوديّة، فالسَّامرة، وإلى أقصى الأرض المعروفة في ذلك الزمان.
ومن خلال هذا السِّفر، نتعرَّف على كيفيَّة تكوين الكنيسة، وانطلاقها بقوَّة الرُّوح القُدُس، وما واجهه المؤمنون الأوائل من اضطهادات ومقاومات، ولكن في الوقت نفسه، كيف أجرى الله على أيديهم معجزات عظيمة غيَّرت مسار التَّاريخ.
بين إنجيل لوقا وسفر الأعمال
جاء سفر الأعمال حلقة وصل بين الإنجيل الثالث وبين الرَّسائل. ففي ختام إنجيل لوقا نرى التَّلاميذ في الهيكل يُمجِّدون الله، وفي بداية سفر الأعمال نتابع ما جرى بعد ذلك، إذ ابتدأ المسيح يُكمِل عمله بواسطة الرُّوح القُدُس. فبينما يُسجِّل الإنجيل ما فعله الرَّب يسوع بالجسد على الأرض، يُعلِن سفر الأعمال أن يسوع ما زال يعمل بقوَّة رُوحه في الكنيسة.
ومن النَّاحية الرمزيَّة، يُشبَّه الإنجيل بحبَّة الحنطة التي تقع وتموت، بينما يُظهِر سفر الأعمال الثَّمر الكثير الذي خرج منها، ثم تأتي الرَّسائل لتكشف امتداد هذا الثَّمر في حياة الكنيسة. وهكذا نرى أن أعمال الرُّسُل هو امتداد طبيعي للأناجيل، ومقدِّمة حيَّة للرَّسائل.
لقد كَتَبَ لوقا سفر الأعمال ليُظهِر أن البشارة لم تقف عند حدود اليهود، بل امتدَّت لتصل إلى الأُمم. لذلك ركَّز على خدمتين أساسيتين: خدمة بطرس الذي اختاره الرَّب في أيَّام تجسُّده ليفتح الباب أمام اليهود والأُمم، وخدمة بولس الذي دعاه المسيح بعد صعوده ليحمل الإنجيل إلى الأُمم بسُلطان واسع. ومن هنا، دُعِيَ السِّفر أحيانًا “أعمال الرُّوح القُدُس”، أو “قصة الكنيسة الشَّاهدة”.
ملامح السِّفر ومحتواه
يُقدِّم سفر الأعمال صورة واضحة عن ميلاد الكنيسة، حينما حلَّ الرُّوح القُدُس على التَّلاميذ في أُورشليم، فصاروا يشهدون للحق بلا خوف، رغم المُقاومة العنيفة من الدَّاخل والخارج، من اليهود والوثنيِّين، من السُّلطات السياسيّة والدِّينيّة. ومع ذلك، انتشر الإنجيل في المجامع والبيوت والأسواق والطُّرقات والسُّفن، بل وفي كل مكان أرسلهم الله إليه.
يركِّز السِّفر على النُّمو الملحوظ للكنيسة:
“فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، وَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ” (أَعْمَال ٢: ٤١).
“وَكَانَ جُمْهُورُ الَّذِينَ آمَنُوا يُضَافُ إِلَى الرَّبِّ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ” (أَعْمَال ٥: ١٤).
“فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَشَدَّدُ فِي الإِيمَانِ وَتَزْدَادُ فِي الْعَدَدِ كُلَّ يَوْمٍ” (أَعْمَال ١٦: ٥).
بهذا، يُوضِّح لوقا أن العمل لم يكن مجرَّد جُهد بشري، بل هو قوّة الرُّوح القُدُس التي تقود الكنيسة في كل خُطواتها. لذلك، لم ينتهِ السِّفر بكلمة “آمين؛” لأن عمل الرُّوح القُدُس ما زال ممتدًّا حتى اليوم.
دُروس روحيّة من سفر الأعمال
من خلال هذا السِّفر، نرى أن المسيحيّة لم تكن مجرَّد فكرة فلسفيّة أو تعليم أخلاقي، بل حياة حيَّة تجسَّدت في الكنيسة الأولى. فقد واجه الرُّسُل الاضطهاد، لكنَّهم أعلنوا بثبات أن:
“لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنَّهُ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ” (أَعْمَال ٤: ١٢).
كما يُذكِّرنا السِّفر بوحدة الكنيسة الأولى، إذ كانوا “بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ” في الصَّلاة والشَّهادة والمحبَّة. هذه الوحدة كانت سرَّ قوَّتهم، رغم قِلَّة عددهم في البداية (نحو مئةٍ وعشرين شخصًا فقط). ومع ذلك، صنع الله بهم تغييرًا في قلب الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة.
Ø الخاتمة
إن سفر أعمال الرُّسُل ليس مجرَّد كتاب تاريخ يروي بدايات الكنيسة، بل هو إعلان عن عمل الرُّوح القُدُس المستمر في العالم. فهو يُرينا كيف تحوَّلت جماعة صغيرة من التَّلاميذ الخائفين إلى كنيسة حيَّة تشهد بقوَّة القيامة، وكيف وصل الإنجيل من أُورشليم إلى أقصى الأرض. ومن خلال هذا السِّفر، نُدرِك أن المسيح ما زال يعمل في كنيسته، وأن الرُّوح القُدُس هو القوّة التي تُجدِّد وتُغيِّر وتُرسِل الكنيسة حتى اليوم.
الكاتب/ الشيخ فيكتور فهمي عويضة، شيخ الكنيسة الإنجيليَّة بالقُلَلِي