كيف نُعبِّر عن ولائنا لله؟
Roma

كيف نُعبر عن ولائنا لله؟
والتوراة سريعًا هي الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس، كتبها موسى النبي، وتحتوي على الشريعة والتاريخ والمبادئ الروحية التي أعلنها الله لشعبه منذ القِدَم، وتشكل أساس العهد القديم.
واللاويُّون سِفرٌ يتناول كيف يقترب الإنسان من الإله القدوس من خلال الذبائح، الطهارة، والنذر، ويُسمّى بـ”اللاويين؛” لأنه يحتوي على تعليماتٍ للكهنة اللاويين، وهم خُدَّام الهيكل.
يُبرِز هذا السفر قداسة الله، ويدعو الشعب أن يعيشوا بحسب وصاياه: “تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” (لاويين ١١: ٤٥).
وعن اللاويين أنفسهم؛ فهم نسل سبط لاوي، أحد أبناء يعقوب الاثني عشر. اختارهم الرَّبُّ لخدمة خيمة الاجتماع ثم الهيكل، وكانوا مسؤولين عن الأمور الدينيَّة والطقسيَّة، مثل حَمْل تابوت العهد، وتقديم الذبائح.
هم لم يُمنَحوا نصيبًا من الأرض مثل باقي الأسباط؛ لأن الرب كان نصيبهم. وقد خَصَّهم الله بدعوةٍ خاصَّةٍ للقداسة والخدمة المستمرة في محضره.
هذه كانت مُقدمةً سريعةً عن هذا السفر، الذي سنتحدث عن موضوعٍ هم من ختام آخر إصحاحاته.
ففي ختام سفر اللاويين، نصل إلى أصحاحٍ فريد يُبرز مبدأً جوهريًّا في الحياة الروحية: هو الالتزام. إنه أصحاح النذور، والنذور لمن لا يعلم، هي عهودٌ طوعيَّة يقطعها الإنسان للرب، يُفرز فيها نفسه أو شيئًا من ممتلكاته كتقدمة مقدسة، تعبيرًا عن شُكر أو التزام روحي.
هي ليست واجبًا مفروضًا، بل دعوة صادقة للعيش في قداسة وأمانة أمام الله القدوس.
هذا السفر لا يتعامل فقط مع أرقام وممتلكات، بل مع قلوب تُفرز نفسها للرب. هو دعوة لحياة مقدسة مكرَّسة للرب بكل ما فيها.
المحتوي
❖ النذر: أكثر من وعد، هو إعلان تكريس
تضعنا هذه الآية: “إِذَا أَفْرَدَ إِنْسَانٌ نَذْرًا حَسَبَ تَقْوِيمِكَ لِلنُّفُوسِ لِلرَّبِّ” (لاويين ٢٧: ٢)، أمام مسؤولية شخصية: بماذا نَعِد الرب؟ ليس فقط بالأقوال، بل بالفعل، السلوك، بالحياة ذاتها. النذر في العهد القديم كان وسيلة للتعبير عن تقديرنا العميق للرب.
إنَّما في ضوء العهد الجديد، يأخذ النذر شكلاً أعمق. فالرب يسوع لم يطلب منا وعودًا مشروطة، بل حياة كاملة. لقد سبق وأعطانا كل شيء، وللتأكيد نحن لا ننذر لنأخذ، بل لأننا أخذنا: “وَهُوَ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، كَيْ يَعِيشَ الْأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ” (٢كورنثوس ٥: ١٥).
لكن كم من مرة قطعنا وعودًا ثم تبخرت مع الوقت؟ فرأس السنة مثلًا، أو وقت ضيق، أو في لحظة انفعال روحي، نَعِد الله بأمور كثيرة… لكن هل التزمنا؟ ليست المشكلة في النذر ذاته، بل في أمانتنا فيه. الرب لا يحتاج وعودنا، بل يُسرُّ بقلوبٍ تسعى أن تُطابق أقوالُها أفعالَها.
❖ تقديم الأفضل: اختبار المحبة والطاعة
في الآية: “وَإِذَا كَانَ بَهِيمَةً مِمَّا يُقَرِّبُونَهَا قُرْبَانًا لِلرَّبِّ… فَكُلُّ مَا يُعْطِي مِنْهُ لِلرَّبِّ يَكُونُ قُدْسًا” (لاويين ٢٧: ٩)، تتجلى دعوةٌ واضحة: ما يُقدَّم لله يجب أن يكون مقدسًا، مفرَزًا، أي الأفضل.
ليس الباقي، أو ما لا نحتاجه، بل ما نُقدِّره.
المبدأ هنا أبعد من تقديم حيوانات طاهرة أو ممتلكات، بل هو سؤال روحي عميق: هل نقدم لله أوقاتنا الأفضل، طاقتنا الأفضل، مواهبنا الأفضل؟ أم نُبقي له ما تبقَّى بعد أن نُنهي إلتزامات الحياة؟
محبة الله تستحق أن تنعكس في كل تفاصيل حياتنا، لا فقط في الكنيسة أو أوقات العبادة. حياتنا كلها مذبح، وكل يوم فرصة جديدة لتقديم “أفضل ما عندي” له. نحن لا نقدِّم كي يباركنا الرب؛ بل لأننا نُدرك أنه قد باركنا بالفعل: “الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ” (أفسس ١: ٣).
هل أنت مستعدٌّ أن تعطيه أفضل ما لديك؟ ليس فقط مالًا، بل وقتًا، محبة، خدمة، مساندة لمحتاج، إلى ما آخره. فكلها تعابير حيَّة عن تقديس الحياة للرب.
❖ العُشور: لغة إيمان وثقة
نصل إلى مبدأ ثالث محوري في الأصحاح: العشور. يقول الكتاب: “وَكُلُّ عُشْرِ الأَرْضِ، مِنْ زَرْعِ الأَرْضِ وَمِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ، فَهُوَ لِلرَّبِّ. قُدْسٌ لِلرَّبِّ” (لاويين ٢٧: ٣٠). هنا، العشور ليست ضريبة أو واجب، بل تعبير عن الثقة بأن الله هو مصدر كل شيء.
وفي مجتمع زراعي قديم، كان العشر يمثّل جوهر الإنتاج، وليس الزائد. أمَّا في العهد الجديد، فلا يُحدِّد الرَّبُّ نسبةً، بل يطلب القلب: “كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حَزَنٍ أَوْ ْ اضْطِرَارٍ، لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يحبه الرب” (٢كورنثوس ٩: ٧).
الهدف من العطاء ليس جمع أموال بل نشر الكلمة، ومساندة المحتاج، ودعم الخدمة، وإعلان أن المال لا يملك قلوبنا. هل نعيش بهذه الثقة؟ أم ما زلنا نُمسك بما لدينا ظنًّا بأنه الأمان؟ العطاء اختبار إيمان حقيقي: هل أثق أن الله يعتني بي أكثر من دخلي الشهري؟
دعوة اللاويين ما زالت تنادينا: كَرِّس، أَفْرِز، أَعْطِ الأفضل. التقديس لا يعني الانفصال عن الحياة، بل أن تكون الحياة كلّها مقدسة. كل وعد نلتزم به، وكل شيء نُقدّمه، وكل عطية نشارك بها، يمكن أن يصير لحن شكر يُكرم الله.
دعونا نُصلي الآن: “يا رب، خُذ كل ما فيَّ، لأجلك وحدك أعيش، ساعدني أن أكون أمينًا في نذوري، وسخيًّا في عطائي، ومكرَّسًا بالكامل لمجدك.”
الكاتب/ الدكتور القِس هاني ظريف، راعي الكنيسة الإنجيليَّة بالملك الصالح
التصنيف/ (موحدون أم مشركون – قضايا فكرية).