سلسلة نسب يسوع المسيح
Roma

سلسلة نسب يسوع المسيح
يبدأ إنجيل متَّى بسلسلة نسب المسيح، وهو أمر كان مهمًّا جدًّا لليهود، لأن النَّسَب يحدِّد هوية الشخص ويثبت شرعيته، خاصة فيما يخصُّ المواعيد الإلهية الخاصة بإبراهيم وداود. لذلك لا يمكن أن نعتبره مجرد مقدِّمة شكلية، بل هو إعلان لاهوتي عميق.
“كِتَابُ مِيلَادِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ دَاوُدَ ٱبْنِ إِبْرَاهِيمَ ” تّى ١:١
· إبراهيم: رمز الإيمان وأبو الأمة. وقد وعده الله قائلاً:
“وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلأَرْضِ” تكوين ٢٢:١٨
· داود: الملك الذي وعده الله بعرش أبدي:
“أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ ٱلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ، وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لِٱسْمِي،
وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ” ٢ صموئيل ٧:١٢-١٣
بهذا يعلن متَّى أن يسوع هو المسيَّا الموعود، الذي يربط بين المواعيد الإبراهيمية والمواعيد الداودية.
المحتوي
وجود الخطاة والأمم في النسب
تتضمَّن سلسلة النسب أشخاصًا ذوي سمعة غير طيبة مثل:
- راحاب: كانت زانية في أريحا (يشوع ٢).
- راعوث: موآبية، من شعب كان محرَّمًا أن يدخل جماعة الرب (تثنية ٢٣:٣).
- بثشبع (امرأة أوريا): ارتبطت بخطية داود (٢ صموئيل ١١).
هذا يعكس أنَّ:
1. المسيح جاء ليخلِّص الخطاة:
“لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ” لوقا ١٩:١٠
2. خطة الله تشمل الأمم، وليس اليهود فقط.
3. الله قادر أن يحوِّل الضعف والخطية إلى جزء من عمله الخلاصي.
النظام الزمني والدروس اللاهوتية
قسَّم متَّى النَّسب إلى ثلاث مجموعات من أربعة عشر جيلًا:
1. من إبراهيم إلى داود.
2. من داود إلى السبي البابلي.
3. من السبي إلى المسيح.
هذا الترتيب يوضح أنَّ الله يسود التاريخ ويوجِّهه، وأنَّ التاريخ يسير نحو غاية واحدة: المسيح مركز التاريخ.
وتنتهي السلسلة بالقول:
“وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ ٱلَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ” متّى ١:١٦
نلاحظ أنَّ متَّى لم يقل “يوسف ولد يسوع”، بل قال : “مريم التي وُلد منها يسوع” هذا يوضِّح أنَّ ولادة المسيح ليست كسائر البشر، بل هي إعلان واضح عن الميلاد العذراوي.
مقارنة بين نسب متَّى ولوقا
الموضع والغاية:
- متَّى (١:١–١٧) يضع النسب في بداية الإنجيل لإثبات أنَّ يسوع هو المسيَّا الملك المنتظر من نسل داود وإبراهيم، مخاطبًا جمهورًا يهوديًا.
- لوقا (٣:٢٣–٣٨) يضع النَّسب بعد معمودية يسوع ليُظهر أنَّه ابن الإنسان المرتبط بجميع البشر، مخاطبًا جمهورًا أمميًا.
اتجاه السَّرد
- متَّى: يبدأ من إبراهيم إلى داود إلى يوسف (من الماضي نحو المسيح).
- لوقا: يبدأ من يسوع إلى يوسف حتى آدم حتى الله (من الحاضر إلى الأصل الإلهي).
الاختلاف في الأسماء
بعد داود تختلف القائمتان:
- متَّى: يتبع خط سليمان بن داود وصولًا إلى يوسف.
- لوقا: يتبع خط ناثان بن داود وصولًا إلى يوسف.
التفسير التقليدي:
- متَّى يذكر النَّسب الشرعي/الملوكي (الوراثة الملكية عبر يوسف).
- لوقا يذكر النَّسب البيولوجي (الحقيقي عبر مريم).
وهكذا صار المسيح وارثًا للعرش قانونيًا، وابنًا حقيقيًا لداود بالجسد.
التركيز اللاهوتي:
- متَّى: يبرز التاريخ كخطة منظَّمة من الله، يبدأ بإبراهيم وينتهي بالمسيح ذروة التاريخ.
- لوقا: يقدِّم النسب كسلسلة إنسانية شاملة تنتهي بآدم “ابن الله
- “، ليعلن أن المسيح مرتبط بكل إنسان وهو ابن الله الحقيقي.
رسائل لاهوتية مشتركة
كلا النسبين يؤكد أن يسوع هو:
- ابن داود → الملك الموعود.
- ابن إبراهيم → صاحب البركة للأمم.
- ابن آدم → المخلِّص للبشرية جمعاء.
- ابن الله → ميلاد فريد بالروح القدس.
الخلاصة
متى يقدِّم يسوع بوصفه المسيَّا اليهودي الملكي، ولوقا يقدِّمه بوصفه ابن الإنسان العالمي. ومعًا يعلنان أن يسوع يجمع بين التاريخ اليهودي وخلاص الأمم، بين كونه ملكًا على إسرائيل ومخلِّصًا للعالم.
الكاتب/ القس رفعت فكري سعيد
رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية