ميلاد المسيح والتواصُل الإنساني

Roma
ميلاد المسيح والتواصُل الإنساني

    ميلاد المسيح والتواصُل الإنساني

وُلِدَ المسيح وجاء إلى أرضنا ليتواصل معنا، وهو الذي كتب عنه الرسول بولس في رسالته إلى أهل فيلبي: ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِللهِ، لٰكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتِ، مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ.” (فيلبّي ٢:‏٦-٨).

وتجسُّد المسيح يحمل لنا رسالةً هامة، مفادها أن العظيم ترك علياء سمائه وجاء إلى أرضنا ليقترب منا، ويتلامس معنا، يشعر بمشاعرنا وأحاسيسنا، أيضًا ليتواصل معنا بأروع صور التواصل.

التواصل الإنساني في زمن التكنولوجيا

بنظرة سريعة لما يحدث اليوم بين البشر، وبسبب التكنولوجيا الرقمية، نجد أنه كلما كثرت وسائل التواصل الاجتماعي قلَّ الوصال الإنساني. ففي القديم كان البشر يتزاورون في الأعياد، ويجلسون مع بعضهم وجهًا لوجه، يتحاورون في حبٍّ وهناء، ويتجاذبون أطراف الحديث في محبةٍ ووئام.

أمَّا اليوم، فقد أصبحت رسائل الفيس بوك، والواتس آب، والفايبر، هي الأسهل في التعامل بين البشر. كذلك انتشرت رسائل التهاني الإلكترونية، وصار من السهل أن يرسل الفرد في لحظة واحدة مئات الرسائل لمئات الأشخاص بضغطة زر واحدة على الهاتف المحمول. الأمر الذي أفقد الإنسان الفرد قيمته وتفرُّده.
وفي الوقت الذي كثرت فيه الورود الإلكترونية والبطاقات الجاهزة إلكترونيًا، غابت اللمسة الإنسانية،

وقلَّ التواصل الإنساني المباشر، حتى داخل البيت الواحد والأسرة الواحدة. ومن ثم اختفت المحبة الحقيقية من قاموس حياتنا، وزاد الفتور والبرود في العلاقات، وافتقدنا الحبَّ الحقيقيَّ.

  الحب أساس الحياة الإنسانية

حتى عندما يتزاور البعض ويلتقون معًا في مكان واحد، نجد كل فرد جالسًا أمام شاشته الإلكترونية، سواء كانت هاتفًا محمولًا أو حاسوبًا محمولًا أو جهازًا لوحيًّا، دون أن يعير أي اهتمام لمن حوله. فأصبحت وسائل التواصل أداة للفواصل، وبدلًا من أن تزيد من الترابط الاجتماعي صارت وسيلة للتباعد الإنساني.

إن الحياة بدون حب لا تساوي شيئًا. وعندما تختفي المحبة من قاموس حياتنا، تنضب العواطف، وتتحجر الأفئدة، وتتصلَّب المشاعر، وتتجمَّد الأحاسيس. فما أعظم ما يفعله الحب في كيان الإنسان! إنه يُؤصِّل فيه الثقة والإخاء والشجاعة والأمل والسلام والرجاء. فالذين لم يحبُّوا لم يعرفوا للحياة طعمًا أو معنى أو لذَّة، والذين يحيون حياة الأثرة لا الإيثار، والأنانية لا الغيرية، يكرهون كل الناس ولا يحبُّون إلا أنفسهم فقط.

    ثمار المحبة الحقيقية

من ينثر في طريق حياته بذار الحب لن يحصد إلا حبًّا. إن أتعس وأشقى إنسان في هذا الوجود هو من لا يحب أحدًا ولا يُحِبّه أحد.

الحب ليس شعورًا نصفه، ولا شعارًا ننادي به، ولا أنشودة نتغنَّى بها، لكنه في حقيقته هو العطاء بلا حدود. 

الحب في كماله وجماله هو بذل الحياة دون مقابل، وتقديم النفس قربانًا على مذبح التضحية من أجل الآخرين بلا ثمن.

إن الديانة الحقيقية ليست عبارات برَّاقة ولا كلمات طنانة أو عظات رنَّانة، ولكنها مشاعر نُقدِّرها، ودمعة نمسحها، وبسمة نبعثها.

لقد تجسَّد المسيح وجاء إلى أرضنا حبًّا متجسِّدًا ليتواصل معنا، وتجرَّب في كل شيء مثلنا لأنه عاش بيننا. 

فليتنا، ونحن نحتفل بذكرى ميلاده، أن نتمثَّل به في محبته وفي تواصله الإنساني معنا، فنحب بعضنا بعضًا بقلبٍ طاهرٍ وبشدَّة، ونتواصل معًا تواصلًا إنسانيًّا حقيقيًّا يُشعرنا بإنسانيتنا التي كِدنا أن نفقدها بسبب التواصل الإلكتروني.

الكاتب: القس رفعت فكري سعيد

رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية

 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك