كيف يؤمن المسيحيون بأربعة أناجيل؟!

Roma

كيف يؤمن المسيحيون بأربعة أناجيل؟!

 مُقدمة

يعتقد كثيرون من الإخوة غير المَسيحيين، أن المسيحيين لديهم أربعة كُتب مقدسة، وهذا يؤكد بالنسبة لهم صحة الادعاء بأن الكتاب المقدس مُحرَّف. فلو لم يكن محرفا، لكان هناك كتاب واحد فقط.
ويستشهدون على ذلك بحقيقة موجودة فعلا، هي وجود أربعة أناجيل.
1- إنجيل متى 2- إنجيل مرقص 3- إنجيل لوقا 4- إنجيل يوحنا.
وما زاد الأمر تعقيدا، هو اعتقادهم بأنَّ الإنجيل مُنزَّل على السيد المسيح، أملاه عليه الملاك جِبريل؛ إذن فهذه الأناجيل، ليست هي الكتاب الأصلي الموحى به للسيد المسيح.
قبل الخوض في الرد على هذه الشبهات، أدعوك عزيزي القاريء للاطلاع على هذه المقالة التي أجبنا فيها سابقا عن شبهة تحريف الكتاب المقدس. هل الله لم يستطع حماية الكتاب المقدس؟

 معنى كلمة إنجيل

 أولا
قبل أن نبدأ في الرد على هذه الأطروحات، دعونا نذكر حقيقة واحدة صادمة، تنسف هذه الشبهة من جذورها، هذه الحقيقة هي أنَّ كلمة إنجيل ليس معناها كتاب. نعم كما قرأتَ عزيزي.
إن كلمة إنجيل، كلمة يونانية، تُعني “الخبر أو البشارة السارة”، وليست كما يعتقد الإخوة غير المسيحيين، أن معناها كتاب، أو أنها تعني الكتاب المقدس، بهذا ليست هناك أربعة كُتب مقدسة، إنما أربع بشارات سارة، جوهرها ومضمونها واحد.
 ثانيا
السيد المَسيح في الإيمان المَسيحي، ليس نبيا، ولا رسولا، بل هو الله ذاته، الله الذي دخل إلى عالمنا المادي الملموس، في صورة بشرية، لأجل مهمة افتداء الإنسان، وتحريره من عبوديته للخطية، وإنقاذه من الجحيم الأبدي، وليكشف للبشر عن طبيعة الله الحقيقية، بصورة واضحة لا لبس فيها أو غموض؛ فعلى مدار آلاف السنين تخيل البشر الإله بصور كثيرة مختلفة بعيدة كل البعد عن طبيعته وجوهره المحب الصالح.
إذن السيد المسيح ليس نبيا، بل الله الخالق، الذي ظهر لنا في جسد بشري، كيف إذن يمكن لملاك إن يُملي على خالقه ما يقول؟!
 ثالثا
يختلف مفهوم الوحي في المسيحية عن مفهوم الوحي في الأديان الأخرى، فالوحي في المسيحية ليس وحيا إملائيا، يمليه ملاك على الكاتب.
بل هو سرد من نبي أو رسول أو شاهد عيان على واقعة يسردها تحت إرشاد الله
وهذا ما نراه واضحا جليا في هذه الآية، التي ذكرها القديس بطرس الرسول، “لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (رسالة القديس بطرس الثانية 1: 21).
 الآن وبعد أن عرفنا أن:
1. كلمة إنجيل ليس معناها كتاب
2. وأن السيد المسيح ليس نبيا بل الله الذي ظهر في الجسد
3. وأن الوحي في المسيحية ليس إملائيا.

 دعونا نتناول شرح أسباب وجود أربعة أناجيل

عندما يشهد في القضية أكثر من شاهد، على نفس الحدث، فهذا يؤكد صحة الحدث، وليس تضاربه.
الأناجيل الأربعة مضمونها واحد فقط، هو إخبار البشر ببشارة مجيء السيد المسيح السارة، روى هذه البشارة أربعة شهود، كل شاهد رواها من زاوية تختلف عن الآخر فقدمت لنا رؤية واحدة متكاملة.
الآن نتناول في إيجاز نبذة سريعة عن كل إنجيل تشمل تعريفا بسيطا عن شخصية وهوية كل كاتب.

 إنجيل متى

متى هو اسم تفسيره “عطية الله”، ومتى كان جابيا؛ أي جامع ضرائب، التقى به السيد المسيح في منطقة تُدعى كفر ناحوم؛ ليتبعه، ويكون واحدا من تلاميذه، وقبل متى هذه الدعوى بفرح، وترك وظيفته؛ ليُصبح واحدا من تلاميذ السيد المسيح؛ تماما كما جاء في هذه الآية التي رواها القديس متى في الإنجيل الذي كتبه بنفسه: “ومضى يسوع من هناك، فرأى رجلاً جالساً في بيت الجباية اسمه متي، فقال له يسوع اتبعني، فقام وتبعه” (متى 9: 9).

 نُبذة عن إنجيل متَّى

• كَتَب البَشير متى إنجيله لليهود؛ لإقناعهم أن إتمام نبوات العهد القديم عن:
• المسيح المُخلِّص الآتي كإتمام سلسلة نظام تاريخي ونبوي، مُرتَّبة من الله.
• وكَتب متى إنجيله باللغة الآرامية، التي كانت لغة اليهود العامية.
• ليُفيد المؤمنين الذين جاءوا من أصلٍ يهودي.
• وقد اقتبس متى نحو أربعين آية من العهد القديم ليُثبت بها حُجَّته.
• ويُظهِر كيفية إتمام ما قيل بالأنبياء عن المسيَّا (المسيح).

 إنجيل مرقص

القديس مرقص الرسول، هو شاهد عيان، على كثير من الأحداث التي تمَّت، أثناء وجود السيد المسيح على الأرض، إذ كان واحدا من تلاميذ السيد المسيح السبعين، وقد تبعه من بداية خدمته، واسم مرقص هو اسم روماني ويعني المطرقة، واسمه المعروف عند تلاميذ السيد المسيح هو يوحنا الملقب بمرقص للتمييز بينه وبين الرسول يوحنا، الذي كان لقبه يوحنا الحبيب.
وكان أحد شهود العيان الذين شاهدوا أحداث محاكمة وصلب ودفن السيد المسيح، كما رأى السيد بعد قيامته في ظهوراته العديدة للتلاميذ، في أورشليم، وكانت لدى القديس مرقص ميزة ثانية لمعرفة المزيد عما قاله وعمله السيد المسيح، وهى اجتماع جميع الرسل، شهود العيان، في منزل والدته، ولسنواتٍ طويلة.

 نُبذة عن إنجيل مرقص

• كتب مرقس إنجيله إلى الرومان.
• وكَتب إنجيله بكيفية يستطيع معها قُراؤه من الرومان،
• أن يفهموا ويدركوا رسالة يسوع المسيح صاحب السلطان.
• ويتضمن إنجيل مرقص سجلا حافلا بالمعجزات التي صنعها المسيح،
• والتي تُظهر قوته الفائقة وسلطانه على العالم المنظور وغير المنظور.
• كما أن وجود تفاصيل جَلية كُلية الوضوح في هذا الإنجيل يجعلنا نسلّم أنه صَدَر عن شاهد عيان.
• مثلا يتذكر الكاتب إخضرار العُشب (إنجيل مرقص 39:6).
• والوسادة التي كان يسوع نائما عليها (إنجيل مرقص 38:4).
• والمتأمل بعمق في هذا الإنجيل، يلاحظ أنه كُتب بصورة تُناسب طبيعة وآراء الرومان،
• أصحاب المملكة التي كانت يومئذ في أوج عظمتها،
• لذلك حرص على أن يُريهم في إنجيله المسيح ملكا أقوى، صاحب ملكوت أوسع.

 إنجيل لوقا

وهو أيضا من الذين تبعوا السيد المسيح من البداية، وتابع حياته بتدقيق، وبعد صعود رب المجد، لازم الرسل، ثم لازم القديس بولس الرسول في خدمته، أمَّا عن مهنته ف هو طبيب، وكان مثقفا جدا، وهو يهودي يحمل الجنسية الرومانية.

 نُبذة عن إنجيل لوقا

• اتجه البَشير لوقا بكتابته نحو العموم، فقدَّم الإنجيل كدستور صالح لكل الجنس البشري،
• لا فرقَ بين جنس أو لون أو شعب أو أمة أو لسان.
• ويكشف القديس لوقا في إنجيله عن محبة المسيح للإنسان بنوع أسمى مما نرى في بقية الأناجيل.
• ويُصوِّر لنا ببراعته الباهرة، يسوع الإنسان، بأسلوب جذاب، يجعله محبوبا من جميع البشر.
• وإنجيل لوقا هو الإنجيل الاجتماعي، إنجيل الفقراء والمعوَزين والمرضى والبائسين.
• ففيه ذكر زيارة ملاك الله للعذراء الفقيرة،
• وظهور الملائكة للرعاة المساكين في برية بيت لحم،
• ولعازر المصاب بالقروح، والذي كان يتناول الفتات الساقط، الذي تبقّى من طعام كلاب الغني!
• وهو الذي تفرَّد بذكر مثَل السامري الصالح. ناسيا ما كان بين اليهود والسامريين من خلاف.
• وفيه مَثَل الفريسي والعشار، وقصة الابن الضال،
• وقصة مريم المجدلية، وتوبة اللص التائب بكل ما فيها من لمساتٍ إنسانية.
• ويُظهر لوقا لنا الجانب الاجتماعي من حياة المسيح نفسه،
• إذ يُرينا إياه في صلاته العائلية، وصداقته للناس.
• منها تناوُل العشاء في بيت سمعان الفريسي، وبيت زكا العشار.

 إنجيل يوحنا

القديس يوحنا: وكلمة يوحنا هي كلمة عبرية، معناها الله يتحنن، وهو كاتب إنجيل يوحنا، وكتبَ أيضا ثلاث رسائل في العهد الجديد، بالإضافة لسفر الرؤيا، آخر سفر في الكتاب المقدس، والذي يتحدث عن واخر الأيام.
للقديس يوحنا موقع بارز بين رسل السيد المسيح الاثني عشر، فكان يسوع يختصه، مع الرسولَين بطرس ويعقوب، بمعاينة أحداث مهمة وخاصة، فقد شهد هؤلاء الثلاثة حادثة إقامة يسوع لابنة أحد رؤساء اليهود من الموت، وحادثة تجلي يسوع على الجبل، والآلام في بستان جثسيماني، وكان يوحنا وبطرس هما الوحيدان اللذان أرسلهما يسوع إلى المدينة لتحضير عشاء الفصح أو العشاء الأخير، وفي أثناء العشاء كان ليوحنا مركز مميز على المائدة، فقد كان جالسا بجانب يسوع ومتكئا على صدره.
وكان يوحنا معتادا أثناء كتابة إنجيله على عدم ذكر اسمه، بل كان يكتب “التلميذ الذي كان يسوع يحبه”.

 نُبذة عن إنجيل يوحنا

• كتب يوحنا إنجيله للمؤمنين بالمسيح من كل أمة،
• ليُثبّتهم في إيمانهم بيسوع ابن الله ونور العالم وحياته.
• ومن مزايا الإنجيل بحسب يوحنا أنه إنجيل الحق، فقد وردت فيه كلمة «الحق» 62 مرة.
• وتكررت «الحق الحق» 24 مرة في هذا الإنجيل، على لسان المسيح وحده.
• فالمسيح هو الحق الذي يقول الحق، كلَّ الحق.
• ويمتاز إنجيل يوحنا بأنه يناسب كل قارئ مهما كانت لغته وجنسيته،
• ففي صفحاته كلمات جامعة تناسب جميع البشر في كل جيل وعصر،
• لأنها تلامس القلب «المحبة، الحياة، النور، الحق، الخبز، والماء».

 خاتمة:

يمكن أن يكتب مجموعة من الأشخاص تاريخ بلدٍ ما، لكن هذا لن يعني، أن هناك أكثر من تاريخ لهذه البلد، أو أن الحدث نفسَه جرى بعدة طرق مختلفة، بل إن كل واحد من المؤرخين، نقل روايته عن ذات الأحداث.
بنفس الطريقة، أوحى الله، إلى أربعةٍ من تلاميذ المسيح، أن يدونوا الإنجيل، ووجهات النظر الأربع هذه، تعطي صورة دقيقة وكاملة، عن شخص يسوع المسيح. وهذه الأناجيل الأربعة، التي كتبها متى ومرقص ولوقا ويوحنا، كَوَّنت بإلهام الروح القدس، معا إنجيلا واحدا. ولا يوجد أي تناقضات في الأناجيل، وإن كان الحوار يختلف في طريقة وصف الحدث، لكنه لا يصف عكس الحدث.
وهذا في حد ذاته إثبات وتأكيد آخر، أن الكتاب المقدس كله وحدةٌ واحدة، يصعُب وجود ثغرات أو تناقضات بها، مهما ادَّعى المشككون والمنتقدون، لكن ولأنه كلمة الله الحية، فبداخلها إثبات لصحة الكتاب، ناهيك عن كمية الإثباتات الأخرى الكثيرة، كشهادات المؤرخين، والأدلة الأثرية والتاريخية.
بقلم: مينا نبيل

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك