لماذا نؤمن بالثالوث؟جـ 3

Roma
لماذا نؤمن بالثالوث؟جـ 3

لماذا نؤمن بالثالوث؟جـ 3

الثالوث والعقل

عقيدة الثالوث أحد الأسرار الإلهية، وكلمة سر لا تعني لغز مبهم، ولكنها تعني عقيدة ليس في إمكاننا أن نعرفها بدون إعلان إلهي، فهي ليست من بنات أو اختراع العقل البشري.

لقد اتفقت الأديان عامة على تعذر البحث في الذات الإلهية، ونحن نؤمن بالله كما أعلن لنا عن ذاته في الكتب المقدسة. والوحدانية في ثالوث هي حقيقة إيمانية يعجز العقل البشري عن إدراكها، ولا يعيب هذه العقيدة عدم إدراك العقل البشري لها. فالعقل البشري لا يستطيع ذلك لما يلي:

  • سمو هذه العقيدة: فهي تتعلق بالله، والله ليس له مثيل أو شبيه.

هناك كثير من الأسئلة التي تتعلق بالله مثل: كيف يكون الله أزليًا لا بدء له؟ وكيف يكون الله علة العلل وغير معلول؟ وكيف يكون الله موجودًا في كل مكان في نفس الزمان؟ وعدم فهمنا لكل هذا لا ينفي وجود الله. فإذا كنا نؤمن بالأمور  السابقة المتعلقة بالله رغم عدم إدراكنا لها، فلماذا نرفض عقيدة الوحدانية في ثالوث بزعم عدم إدراكنا لها؟!

  • قصور العقل البشري: إن العقل البشري محدود، والله كمال مطلق غير محدود، والعقل المحدود لا يمكن أن يحيط بالمطلق غير المحدود. إن مداركنا قاصرة عن إدراك الله، وإذا ادعينا أننا قد أدركناه فهذا غير صحيح، ومادام ليس بوسعنا ذلك، لذلك علينا أن نؤمن بما أعلنه الله عن ذاته، وإذا كان عدم فهمنا لعقيدة الثالوث موجبًا لرفضها أو نفيها، لزم كذلك أن يكون عدم إدراكنا لذات الله موجبًا للكفر به، وهذا ما لا يرضاه أي عاقل.

إن عدم فهمنا لعقيدة الثالوث لا يمنع حقيقة وجودها، لأن وجودها غير متوقف على فهمنا لها أو عدم فهمها. فهي ليست عقيدة مطروحة للاستفتاء عليه، نقبلها أو لا نقبلها، فالله قد أعلن عن نفسه بهذه الكيفية، وهو أعلم منا بذاته. ومن يقبل هذا الإعلان فليقبل، ومن يرفض فليرفض وعليه تقع مسئولية رفضه لدور هذا الإعلان في تحديد مصير الإنسان الأبدي.

  • قصور اللغة: إعلان الله عن ذاته هو لبشر ذوي عقول محدودة، ويتم التعبير عن هذا الإعلان بلغة محدودة، فاللغة البشرية لغة مادية تعجز عن وصف ما يتعلق بالله، لأنها مادية تعبر عن ما هو مادي، والله لاهوت غير مادي، ولذلك فأي لغة عاجزة تمامًا عن أن تعبر تعبيرًا صحيحًا عن الله.

وهناك كثير من العقائد ليست في المسيحية فقط بل في الإسلام أيضًا، أقرَّ المفسرون فيها بعجزهم عن فهمها مثل:

  • معرفة ذات الله

عن ابن عباس: “تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره”.

وقوله: تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله فتهلكوا.

  • معرفة الروح

يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” (الإسراء 85).

  • الاستواء على العرش

الرحمن على العرش استوى (طه 5)

سأل رجل مالكًا فقال له: الرحمن على العرش استوى كيف استوى يا أبا عبدالله…. فقال: الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب.

  • فواتح السور

وردت الحروف المتقطعة في 29 سورة مثل: ألم، ألص، كهيعص، طسم، يس، ص، ق، صم…. إلخ

وحتى الآن لا يوجد تفسير متفق عليه في معنى الحروف المتقطعة، ويرى البعض أنها علم مستور وسر محجوب اختص الله تبارك وتعالى به.

إن إعلان الله عن نفسه في ثالوث رغم عدم إدراكه تمامًا بالعقل البشري، فهذا لا يعني أنه ضد العقل البشري، ولكن فوق العقل البشري للأسباب التي ذكرناها.

ولكن هناك سؤال يطرحه البعض: هل يمكن أن يجتمع الوحدانية والتعدد معًا؟ والجواب “يمكن” لأن الوحدانية من جهة، والتعدد من جهة أخرى.

إن الكتاب المقدس من أطلق على الآب لقب الله كما في (1كو 24:15) “وبعد ذلك النهاية، متى سلم الملك لله الآب، وأيضًا في ( يع 9:3) به (أي اللسان) نبارك الله الآب، وأيضًا في (2بط 17:1) لأنه (أي المسيح) أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا”. وكذلك أطلق على الابن لقب الله كما في (رو 5:9) ومنهم (أي اليهود) المسيح حسب الجسد، الكائن على  الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد. وأيضًا في (عب 8:1) ، ويقتبس ما جاء عن الله في (مز 6:45)، ويطبقه على الابن ويقول: وأما عن الابن كرسيك يالله إلى دهر الدهور. وأيضًا أطلق على الروح القدس لقب الله، كما في حديث الرسول بطرس مع حنانيا فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس….  أطلقأطلق أااا     مممبببأأ

أنت لم تكذب على الناس بل على الله (أع5: 3-14)، ثم يؤكد ذلك بقوله لامرأة حنانيا ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب؟” (أع 9:5).

فالآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله، وهذا لا يعني أنهم ثلاثة آلهة، فهم ذات واحدة، وثلاثة أقانيم متميزة ولكن غير منفصلة. وهذه هي الوحدانية الجامعة، وهذا هو إعلان الله عن نفسه، والعلاقة الداخلية بين الأقانيم عبر عنها بالولادة والانبثاق.

والأقانيم ليسوا أعضاء في الثالوث، لأن العضوية تفيد تعدد الذوات أو تجزئة الذات الواحدة، والله ذات واحدة، جوهر واحد غير مكون من أعضاء أو أجزاء.

والأقانيم ليسوا أجزاء في الثالوث، لأن وحدانية الله وحدانية بسيطة لا تركيب فيها. والأقانيم ليسوا مجرد ظهورات أو تجليات.

وما يميز الأقانيم عن بعضهم البعض هو علاقاتهم فيما بينهم، وليس علاقاتهم بنا، لأن العلاقات التي تربط الأقانيم بنا هي شئ يشترك فيه الأقانيم الثلاثة بصفتهم الإله الواحد.

 

الكاتب د. فريز صموئيل

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك

    لماذا نــؤمـن بالثالوث؟

Roma
    لماذا نــؤمـن بالثالوث؟

    لماذا نــؤمـن بالثالوث؟

     يؤمن المسيحيون بأن الله واحد في ذاته، ثالوث في أقانيمه، وهذه العقيدة هي العقيدة الأهم في المسيحية، وذلك لأنها تعبر عن الله في جوهره، وتكشف لنا طبيعته، ولأن الثالوث هو إعلان عن طبيعة الله، لذلك فهو إعلان إلهي ليس فيه اجتهاد، فهو ليس اختراعًا بشريًا من بنات أفكار الإنسان أو محاولة بشرية لوصف الله في طبيعته، ولكنه حقيقة أزلية أعلنها الله لنا في الكتاب المقدس. ونحن قد عرفنا الله بمقدار ما أعلن لنا الله عن نفسه. ونحن نؤمن بالثالوث للأسباب التالية:

1-الثالوث إعلان الله عن نفسه.

2-الثالوث يحل مشكلات الوحدانية.

3-الثالوث مفتاح لفهم العقائد المسيحية الأخرى.

أولًا: الثالوث إعلان إلهى:

لقد أعلن لنا الله عن نفسه في الكتاب المقدس ونرى هذا الإعلان واضحًا في:

  1-العهد القديم

إن الإعلان عن الثالوث، لم يأت كإعلان نظري تجريدي، ولكن أتى إلينا عبر تاريخ الخلاص الذي بلغ كماله في شخص المسيح. فتاريخ الخلاص بدأ في العهد القديم، لذلك نجد فيه كثير من الإشارات التي تهيئ للإعلان الكامل في العهد الجديد. وهذه التلميحات تتضح في ضوء إعلان العهد الجديد. ومن هذه الإعلانات:

  1-الاسم الجامع لله (إلوهيم).

من أسماء الله في العهد القديم، إلوهيم، وقد أطلق هذا الاسم على الله 2300 مرة تقريبًا. وإلياء والميم “يم” تفيد الجمع في اللغة العبرية ونذكر بعض هذه النصوص:

“فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ ( إلوهيم) السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.” (تكوين 1: 1)

“وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ ( إلوهيم) يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.” (تك 1: 2)

عندما خلق الله الإنسان “وَقَالَ اللهُ: “نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا.” (تك 1: 26)

وهنا نجد الفعل بصيغة الجمع (نعمل)، وأيضًا ضمائر الجمع في كلمتي “صورتنا، كشبهنا”.

عندما سقط آدم “وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: “هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا” (تك 3: 22)

عند بناء برج بابل،  قال الله: “هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ.” (تك 11: 7)

“ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ قَائِلًا: «مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟” (إش 6: 8)

“مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ.” (إش 48: 16)

ويقول المعارضون: إن هذه النصوص لا تعلن الثالوث، ويقولون إن الله يتحدث عن نفسه بلغة الجمع للتعظيم. وهذا الإدعاء غير صحيح لما يلي:

  • ليس هناك جمع للتعظيم في اللغة العبرية التي كُتب بها العهد القديم.
  • الله عظيم في ذاته، ولا يحتاج أن يعظمه أحد.
  • قد أطلق الله على نفسه أسماء أخرى مفرده مثل: يهوه. فهل عندما استخدم اللقب “إلوهيم” كان يعظم نفسه، وعندما استخدم اللقب يهوه أو غيره، كان يقلل من شأنه؟
  • إذا كانت وحدانية الله مجردة أو مطلقة فكيف نفسر النصوص التإلىة:

    “مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ.” (إش 48: 16)

   هنا نرى الوحدانية الجامعة: أنا، السيد الرب، روحه.

-“إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ.” (مز 2: 7) وهنا نجد الآب والابن. والابن هنا هو المسيح الله الظاهر في الجسد (عب1: 6،5).

“كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ.” (مز 45: 6)

 “أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِزَيْتِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ».” (عب 1: 9) هنا يوضح أن الله هو الماسح والابن هو الممسوح، والمسحة بالروح القدس

– “قَالَ الرَّبُّ (يهوة) لِرَبِّي ( أوناي): «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ».” (مز 110: 1) وهنا نرى إعلانًا أن الآب هو الله، والابن هو الله، فإذا لم يكن هناك وحدانية جامعة (ثالوث) لأدى هذا إلى التعدد، وهذا ما يرفضه اليهود والمسيحيون معًا.

“رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ.” (إش 61: 1)

وهنا نرى: السيد الرب، روحه، والممسوح كما في (لو4: 16-21) هو المسيح.

“مَنْ صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفْنَتَيْهِ؟ مَنْ صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَنْ ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا اسْمُهُ؟ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟” (أم 30: 4)

– وماذا عن ظهورات الله في العهد القديم (ملاك العهد) كما في (تك16: 13-14 ، 18: 5 و13-36)، (تك22: 24-30)، (خر3: 2-6 ، 14: 19-22)، (قض6: 11و16و22 ، 13: 20-23).

في كل هذه الظهورات ملاك يهوه هو الله نفسه، وبما أن الذي ظهر وأعلن الآب غير المرئي هو الابن، إذًا هنا نرى الآب والابن.

ويسأل البعض هذا السؤال: إذا كان الله ثالوثًا، فلماذا لم يعلن عن نفسه بكل وضوح في العهد القديم؟ ذلك للأسباب التإلية:

  • لقد خرج إليهود من مصر، حيث تعدد الآلهة، وتعاملوا مع حضارات أخرى في فلسطين تؤمن أيضًا بتعدد الآلهة، لذلك كان لابد من التأكيد على الوحدانية حتى لا يحدث اختلاط بين الثالوث وتعدد الآلهة.
  • إن وقت الإعلان عن الثالوث لم يكن قد جاء، فالابن لم يكن قد تجسد لإتمام عمل الفداء
  • “وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ،” (غل 4: 4)

        وأيضًا الروح القدس لم يكن قد أرسل بعد. بحسب (يو 39:7 ، أع 2: 1-4).

ولكن عدم الإعلان عن الثالوث واضحًا لا يعني أن ما لدى اليهود إعلان غير كامل.

فالإعلان الذي لديهم كامًلا، وما لدى المسيحيين أيضًا كامًلا، وكافٍ للخلاص في وقته. وهذا يشبه لؤلؤة صغيرة، ثم أخرى كبيرة، فكلا منهما كاملة.

ولكن الإعلان الأوضح -في ظل الأسباب السابقة- جاء في العهد الجديد عندما تجسد أقنوم الكلمة أو الابن، وهذا ما نوضحه في المقالة التالية.

ملحوظة

كلمة “أقنوم” هي كلمة سريانية تعني: تميز بدون انفصال، فالآب أقنوم متميز عن الأقانيم الأخرى، ولكن غير منفصل عنها، وهكذا أقنومي الابن والروح القدس.

الكاتب د. فريز صموئيل 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك