ممنوع اللمس أم مسموح اللمس ؟
Roma
ممنوع اللمس أم مسموح اللمس ؟
من التناقضات الموجودة في الإنجيل نجد انه قد ورد في إنجيل يوحنا قول المسيح لمريم المجدلية: “لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي(يو21: 17)... الا اننا نجد بعد ذلك في العدد 27 من نفس الإصحاح ان المسيح يقول لتوما: “هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي” (يو21: 27)
للإجابة عن هذا السؤال علينا الاستعانة ببعض المعرفة في اللغة اليونانية، وهنا الكلمة المستخدمة في تعبير يسوع “لا تلمسيني” هي الفعل اليوناني haptomai، الذي من ضمن معانيه: اللمس، المعانقة، التعلُّق. هذا الفعل جاء في صيغة الأمر وفي زمن المضارع، ولأنه مسبوق بأداة نفي يكون معناه التوقف عن عمل مستمر. لذلك أفضل معنى بحسب سياق النص ومن خلال مقارنة هذا النص مع ما جاء في (متى 28: 9)، يكون التوقف عن التمسك أو التعلُّق بيسوع.
أما الكلمة الثانية والتي ترجمت “أمسكتا” في الآية التاسعة من متى 28 هي من فعل يوناني آخر هو kratew، وهي كلمة مرادفة للفعل السابق haptomai الذي استخدمه البشير يوحنا. وواضح هنا أن مريم المجدلية قد تكررت في الحادثتين، لذلك استخدم كل من البشيرين التعبير الذي يتوافق معه، لكن تم توصيل الفكرة، وهي أن كل من مريم المجدلية ومريم الأخرى عندما رأتا يسوع أمسكتا بقدميه وسجدتا له. ومن الواضح جداً أن يوحنا يقوم بنقل نفس الفكرة لكنه اختار أن يتحدث عن مريم المجدلية أكثر من مريم الأخرى التي يشاركه متى في عدم ذكر اسمها.
أما عن توما، نلاحظ هنا أن الموضوع بالنسبة لتوما لم يكن يتعلق بالمعانقة والاحتفال مثلما حدث مع المريمات، ولكن الموضوع هنا له علاقة بالشك في هوية الشخص الذي أمامه، والفارق كبير.
بالنسبة لتوما، لاحظ النص الذي يشرح فيه استقبال توما الذي لم يُصَدِّق حادثة قيام يسوع من بين الأموات “وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!». ثُمَّ قَالَ لِتُومَا:«هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا». أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ:«رَبِّي وَإِلهِي!». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا».” (يوحنا20: 26-29)
إذا فالهدف هنا هو نزع الشك من قلب توما، على أي حال يمكنك من قراءة النص أن تلاحظ أن توما لم يقم بعملية وضع إصبعه، إذ بمُجرَّد رؤيته ليسوع آمن مباشرةً، وصرخ من شدة دهشته لرؤية يسوع بكلِّ إيمان وقال: ربِّي وإلهي. وهذا واضح من خلال رد يسوع عليه بالقول: لأنك رأيتني يا توما آمنت! طوبى للذين آمنوا ولم يروا. وهنا يتضح من خلال تصرف توما ورد يسوع عليه أنه لم يقم بلمس يسوع.
ولكن سواء قام باللمس او لم يقم، وسواء قامت مريم باللمس او لم تقم، فنحن أمام جسد حقيقي للمسيح ووضاح فيه آثار التعذيب بصورة لا تقبل الشك في حدوث القيامة
الكاتب / عماد حنا