تعاليم ثوريَّة وإجراءات فوريَّة

Roma
تعاليم ثوريَّة وإجراءات فوريَّة

    تعاليم ثوريَّة وإجراءات فوريَّة

• الأجواء

  • عالم بأكمله تحكمه الدولة الرومانية التي كان تُسيطر تقريبا على معظم أرجائه سيطرةً حديديَّة عسكرية!
    عالم يتحرك تحت سيادة قوى أحادية، مَن يخضع لها أو ينتمي إليها تكون له سطوته وحظوته وهيبته ومكانته ونفوذه، لا سيما لو اختلط النفوذ السياسي بالسلطة الدينية، أما مَن هم دون ذلك، عليهم أن يواجهوا مصيرهم إما بالخنوع والرضا بالوضع الحالي، أو محاولة العيش بالقوة.
    في تلك البقعة من الأرض حيث عاش السيد المسيح، في ظل عالم كبير خاضع لمملكة عاتية، وعالم صغير يحكمه رجال الدين الموالين لمسؤولي هذه القوى، نقدر أن نقول إنه عالم كان الكبيرُ فيه يأكل الصغير، ولا عزاء للرحمة أو الإنسانية، في ظل تحكُّمات وفقر وأمراض وجهل واضطرابات!
    في مثل هذه الأجواء من الطبيعي جدا وبديهي أن نجد العنف .. القهر .. استخدام القوة المفرطة.
    طبيعي أن تنتشر قيم أخلاقية سلبية مثل الكراهية وعدم التسامح عدم الغفران.
    طبيعي أن تستوطن المرارة في الصدور، ويملأ الخوف والقلق والكسرة النفسَ البشرية.
    طبيعي ألا يجد الإنسان سلامه وهو أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يحيا بذراعه، أو يحيا مكسورا تحمله رياح الحياة وأعوازها واحتياجاتها وضغوطاتها! أضف على هذا كما هائلا من الموروثات العقلية والقوانين الوضعية التي تُكبل أية محاولات للتغيير!

 مُعلم صالح وسط عالم فاسد

حتى أتى هذا المعلم الذي عصف بكل الموروثات، فها هو رجلٌ ثوريٌّ ضد المُسلمات والعادات والأفكار البالية لكنه وديع القلب والطباع لا يصيح ولا يصرخ.
ها هو يحمل تعاليم وأفكارا جديدة لكن في محبة وتسامح وقبول للآخر وعدم رفض أو استهزاء!
ها هو يساعد البشر أن يتحرروا من العبودية الداخلية لكن دون أن يحثهم على التمرد والثورات والهياج ضد الحُكام!
هو السيد المسيح الذي لو عشنا أجواء تواجده على الأرض منذ أكثر من ألفي عام، سنجد البعض يرونه معلما صالحا، وبعضهم الآخر نبيا، وبعضهم أدرك من خلال فهم الشريعة والنبوات أنه المسيا المنتظر، وبعضهم كان يرى أن به شيطانا!
لو نمر مرورا سريعا على تعاليمه التي كان يخاطب بها الجموع علنا وعلى الملأ وفي الساحات وعلى مرأى ومسمع من الجميع نرى أنه دعا إلى:

• أن تكون المحبة للجميع حتى الأعداء

وهي دعوة لا للاختلاط بالأعداء أو التصالح مع أخطائهم، لكن لعدم معاداتهم داخليا، أو كراهيتهم، بل الصلاة والدعاء من أجلهم؛ حتى يتدخل الرب لتغييرهم؛ فلا نُحمِّل أنفسنا بسهام الكره الملتهبة، ولا نمنع عنهم فرصة أن يرحمهم الرب ويغيرهم! «وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ». (متى 5: 44).
• أن يكون التسامح بدلا من الانتقام
نعم يمكنك أن تطالب بحقك وأن ترفض تجاوزات الآخرين، لكن وبداخلك هدوء وسلام ومسامحة وليس رغبة مريرة في الانتقام والتشفي والفرح بأذية من أذوك! “وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ، مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللهُ أَيْضًا فِي ٱلْمَسِيحِ.” (أفسس 4: 32).
• الشفافية والصدق والبعد عن الالتواء
حيث أخبر الجموع صراحةً على أعظم موعظة في تاريخ البشرية هي الموعظة على الجبل قائلا:
«بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ». (متى 5: 37).

• العطاء في السر

وفي هذا درس عظيم أن الأخلاق الحقيقية الراقية السامية يجب أن تُمارس في صمتٍ وخفاء؛ لأنها نابعة من القلب وليس جوعا للاستماع للمدح والشُّكر: «فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً، فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِتَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً». (متى 6: 3، 4).
وفي موضعٍ آخر استشهد الرب يسوع بقصة امرأة أعطت بهدوء من أعوازها وسط تفاخر وتظاهر الأغنياء بعطائهم الكثيف: “وَتَطَلَّعَ فَرَأَى الأَغْنِيَاءَ يُلْقُونَ قَرَابِينَهُمْ فِي الْخِزَانَةِ، وَرَأَى أَيْضًا أَرْمَلَةً مِسْكِينَةً أَلْقَتْ هُنَاكَ فَلْسَيْنِ. فَقَالَ: «بِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمِيعِ، لأَنَّ هؤُلاَءِ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا فِي قَرَابِينِ اللهِ، وَأَمَّا هذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا، أَلْقَتْ كُلَّ الْمَعِيشَةِ الَّتِي لَهَا».” (لوقا 21: 1-4).

• صنع السلام

 علَّم السيد المسيح أتباعه أن يكونوا سفراء للسلام والوداعة والمحبة والوئام والتفاهم، بدلا من نشر الخصومات والخلافات! «طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ يُدْعَوْنَ». (متى 5: 9).
• أن نصنع تأثيرا في العالم
متسلحين بالمحبة والوداعة والتسامح والغفران وقبول الآخر، نخرج للعالم لنصنع تأثيرا إيجابيا بحياتنا، التي تعكس إيمانياتنا ومعتقداتنا؛ فلا نكون مجرد قابعين في ظروفنا سلبيين! «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ. وَلَكِنْ إِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ، فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟، «أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ». (متى 5: 13، 14).

  • • دعا أيضا للرحمة
  • «فَكُونُوا رُحَمَاءَ، كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ». (لوقا 6: 36).
    • نقاوة القلب والفكر
    «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ». (متى 5: 8).
    • الوداعة والتواضع
    «طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ». (متى 5: 5).
    ختاما.. في وداعة المسيح منقطعة النظير، ظهرت أعظم قوة قادرة على تغيير القلوب بلا عنف، هي قوة المحبة القادرة أن تُقيم الساقطين بلا دينونة، فهو الإله الذي كان ولا يزال قلبه مفتوحًا للجميع، يلمس المنبوذين، ويغفر للخطاة، ويحب ويشجع المحبطين المنهكين في كل زمان ومكان!
    الكاتب/ مينا نبيل 
مواضيع تهمك
شارك اصدقائك