ميلاد جسد
Roma

ميلاد جسد
الزمن: سنة 29 ميلاديَّة
ورحل عيد الفصح بكلِّ مشاكله في عام 29 ميلاديَّة، ذلك العيد الذي شهد صلب البارِّ، يسوع المسيح، الذي وُلِد قبل ثلاثة وثلاثين عامًا، أي بالضبط في سنة أربعة قبل الميلاد، وبعد انتهاء الفصح، بدأت الأخبار تتوالى عن يسوع هذا الذي صُلِب وهو البارُّ قد قام من بين الأموات في الثالث، تمامًا كما وعد، ولكن لماذا لم يظهر للناس؟
يقولون إنَّه ظهر فقط لتلاميذه، واستطاع أن يراه 500 شخصٍ بطرقٍ متعدِّدة، ولكن كلَّ هذا لم يجعل التلاميذ يتشجَّعون، ويعلنون أنَّ المسيح قد قام. أربعين يومًا، والسؤال كيف قام المسيح وظلَّ التلاميذ في أماكنهم خائفين؟ كيف لم يجاهروا بإيمانهم بقوَّةٍ ولديهم المسيح المقام والمنتصر على الموت؟! من الواضح أنَّ هناك شيئًا يفتقدونه يمنعهم من أن يمارسوا الشهادة لذلك المقام.
على أيِّ حالٍ، بعد أربعين يومًا ظهر كلامٌ خفيٌّ أنَّ المسيح بعد ما قام صعد إلى السماوات، بشهادة خمسمائة شخصٍ، لماذا لم يظهر لأعدائه؟ سؤالٌ ينتظر إجابة.
ومرَّت عشرة أيَّامٍ أخرى، ومن جديدٍ كانت مدينة أورشليم تضجُّ بالحياة. إذ إنَّ آلافًا من الحجَّاج قد أتوا من كلِّ صوبٍ للاحتفال بعيد الأسابيع. ولكن في ذلك اليوم بالذات حدث أمرٌ جلل، أمرٌ لم يكن أحدٌ يتوقَّع أن يُسجَّل في ذلك اليوم! حدثٌ عظيمٌ تذكره السماء قبل الأرض!
كانوا مجتمعين في العُليَّة. مئة وعشرون نفسًا، يصلُّون، ينتظرون وعدًا غامضًا! وعدًا قاله يسوع لهم قبل أن يرتفع أمام أعينهم إلى السماء:
«لكنَّكم ستنالون قوَّةً متى حلَّ الروح القدس عليكم..» (أعمال الرسل 1: 8).
وفي الساعة التاسعة صباحًا، حدثت العاصفة. صوتٌ كما من ريحٍ عاصفةٍ، اقتحم المكان، ومعه نارٌ انقسمت واستقرَّت على كلِّ واحدٍ منهم. لم تحترق ملابسهم. لم تهتزَّ الأرض. لكنَّ شيئًا تغيَّر في أعماقهم. وامتلأوا من الروح القدس، وبدأوا يتكلَّمون بلغاتٍ لم يعرفوها من قبل.
وفي الخارج، كان الحجَّاج مذهولين. “ألسنا كلُّنا من غلاطيَّة، وكابدوكيَّة، ومصر، وروما؟ كيف نسمعهم يتكلَّمون بألسنتنا عن عجائب الله؟”
وقف بطرس، ذلك الصيَّاد الذي أنكر معلِّمه منذ أسابيع فقط، بقامةٍ جديدةٍ ونظرةٍ مشتعلة. وبدأ يتكلَّم.
“يا رجال إسرائيل، اسمعوا هذا الكلام…”.
هكذا بدأت أوَّل عظةٍ في تاريخ الكنيسة. عظةٌ لم تكن دفاعًا لاهوتيًّا ولا جدالًا فلسفيًّا، بل إعلانًا: يسوع، الذي صلبتموه، أقامه الله، وجعله ربًّا ومسيحًا. لم يُطلب من السامعين سوى شيءٍ واحد: أن يتوبوا. وانشقَّ السحاب، ونزلت نارٌ أخرى، لكن هذه المرَّة في القلوب. فآمن في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلافِ نفسٍ. وتعمَّدوا.
ومن هناك، من تلك العليَّة، من ذاك الصوت، وُلدت الكنيسة.
الكاتب عماد حنا