المسافة التى بيننا

william

المسافة …… التي بيننا

كانت تقف على الكورنيش وهي تنتظر العربة التي تنقلها إلى مكان عملها كعادتها كل يوم، ولكنها كانت في هذا اليوم بالذات مشغولة الذهن جدًا؛ إذ أنه كان عليها أن تتخذ قرارًا مصيريًا في حياتها.. ولا تعرف كيف تقرر.
نظرت إلى الخلف لترَ ذلك البحر الكبير، فتتنهد في حسرة وهي ترى تلك الأمواج المتتابعة في جمال، والتي لم تتخيل أبدًا أنها في يوم من الأيام من الممكن أن تفكر في الابتعاد عنها .
اتجهت بنظرها إلى الأفق حيث الصخرة الصغيرة التي أحبتها.. تلك الصخرة التي شهدت طفولتها وصباها و  مراهقتها إلى أن صارت شابة، ولا تزال الصخرة صديقتها وأنيسة وحدتها .
نعم كان البحر حياتها، لم تفكر مطلقًا أنها يمكن في يوم من الأيام أن تترك ذلك المكان لأي سبب من الأسباب .
لقد كان بيتها قريبًا منه جداً، عندما تخرج إلى شرفة بيتها تنظر إليه، تغرق في أفكارها وتنسى ذاتها وهي تنظر إلى تلك الصخرة، أخذت تتأملها.. كانت صخرة صغيرة جدًا، لكنها جميلة، وأيضًا كانت صخرة غادرة؛ فيظن السابح إليها أنه وصل إلى بر الأمان، لكن فجأة تعلو الأمواج فتختفي الصخرة تمامًا عن الأنظار.. نعم، كثيرًا ما تسببت هذه الصخرة في قتل الذي يلجأ إليها طالبًا الحماية.. لكن الفتاة لم تكن تكترث بتلك المواصفات البغيضة لتلك الصخرة.. بل كانت تنزل من بيتها وتقف بالساعات أمام تلك الصخرة دون أي ملل أو تعب .
والآن حانت اللحظة الحاسمة وعليها أن تقرر، أتترك ذلك المكان الرائع الذي أحبته؟ تترك دنياها الصغيرة والجميلة لتذهب إلى مكان آخر مجهول لا تعرف عنه شيئًا.
هي لا تدري لكنها عليها أن تقرر…
أيهما أهم بالنسبة لها.. المكان أم الشخص؟!
أخذت تفكر.. تفكر في ذلك الشخص الذي يريدها أن تترك دنياها هذه.. لم يكن من نفس بلدتها.. ولكنها تعرفت عليه بسهولة ويسر، بدا كما لو كان قد جاء إلى تلك البلدة خصيصًا لأجلها.. يريد أن يغير عالمها بالكامل، وفي أيام قليلة دخل حياتها فشعرت بمحبته الشديدة لها، فبادلته حبًا بحب.
وبدا لها ذلك الشاب غير متعجلًا .. فدخل إلى أعماقها ليكتشفها أكثر فأكثر، يحبها أكثر فأكثر.. تتدفق محبته لها فلا تستطيع أن تمنع نفسها من حُبه.
ولكن في نفس الوقت هذا المكان ليس مكانه، ويجب عليه أن يرحل، ويريدها أن تغير من حياتها لتصر كحياته، تغير مكانها، تغير أصدقائها، تغيير كامل في الحياة نتيجة للارتباط بمن أحبها .
كل هذا كفيل بأن يجعلها تفرح.. فالشعور بالمحبة شيئًا رائعًا، وهي تعرف أنه يحبها.. لكن تبعات المحبة بالنسبة لها ثقيلة.. المحبة بالنسبة لها تعني “الترك”.. ترك كل شيء في سبيله.. لم تعرف بماذا ترد.. بداخلها هاتف يقول نعم.. تنظر إلى ذلك البحر تقول.. لا…
كان يريدها بالكامل له، وهي تريده أن يبقى بجانبها، تريد أن تمتلك القديم والجديد معًا.. البحر، ومن أحبها.. لكن هذا مستحيل .
قالت في خجل:
– لا أستطيع أن أترك البحر.
رد بضيق:
أيهما أهم بالنسبة لك… المكان أم الشخص؟
وعرفت أنه لا مكان للتفاوض.. إنه يرفض أي شيء عاشت لأجله من قبل .. هو يريد أن تبدأ معه حياة جديدة لا صلة لها بالقديم.. هل تستطيع أن تهب نفسها له.. هل؟
كانت الدنيا تمطر مطرًا خفيفًا، وكانت هي لا تزال تنظر إلى البحر متأملة.. قطرات من الماء تتساقط على خديها، لم تدرك إن كانت هذه القطرات هي دموعها أم قطرات المطر المتساقط.. لم تستطع معرفة قرارها بعد.
جاءت العربة تنقلها إلى عملها.. أخذت تطلق آلة التنبيه.. ينزل السائق إليها وهو متضجر.. يربت على كتفيها لينبهها وهو يقول:
– أسرعي.. لقد تأخرنا اليوم.
تركب العربة وهي شاردة، تنظر إلى البحر طوال الطريق ترى من أحبها في مخيلتها وهو يسألها:
– أيهما أهم بالنسبة لكِ… المكان أم الشخص؟
أخذت تفكر.. هل تستطيع أن تترك كل هذا؟ هي لا تدري.
وصلت إلى مكان عملها وفي مخيلتها من أحبها وهو يدعوها.. “لا مكان للقديم، الكل يجب أن يكون جديدًا.. إنني أدعوكِ لحياة جديدة.
تدخل إلى مقر عملها، وبينما دمعة حزينة كانت تتسلل إلى مقلتيها لم تشأ أن تمسحها، أخذت تمارس عملها العادي، بينما السيارة في الخارج تنتظرها كي تعيدها لحياتها مرة أخرى.

المصدر: كتاب السباق الأخير

للكاتب: عماد حنا

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك