من أورشليم إلى أقصى الأرض
Roma

من أورشليم إلى أقصى الأرض
سِفر أعمال الرُّسُل هو كتاب مميَّز في العهد الجديد، إذ يربط بين خدمة الرَّب يسوع المسيح على الأرض وبين استمرار عمله بواسطة الرُّوح القدس في الكنيسة. في هذا السِّفر نرى كيف تحوَّلت جماعة صغيرة من التَّلاميذ الخائفين إلى كنيسة قويَّة وممتلئة بالرُّوح، تشهد للمسيح في أورشليم واليهوديَّة والسامرة وإلى أقصى الأرض.
القِصَّة ليست مجرَّد أحداث تاريخيَّة، بل شهادة حيَّة أنَّ كلمة الله لا تُقيَّد، وأنَّ مقاصد الله للخلاص ثابتة عبر كل الأزمنة.
صعود المسيح وميلاد الكنيسة
بعد القيامة، ظهر يسوع لتلاميذه وأكَّد لهم أنَّه حيٌّ، ثم أوصاهم ألَّا يبرحوا أورشليم حتَّى ينالوا قوَّة من الرُّوح القدس. وعندما صعد أمام أعينهم إلى السَّماء، وعدهم أن يكون معهم دائمًا. في يوم الخمسين، حلَّ الرُّوح القدس على التلاميذ فامتلأوا قوَّةً وجرأة. وفي أوَّل عظة لبطرس آمن نحو ثلاثة آلاف نفس. منذ تلك اللَّحظة، وُلِدت الكنيسة في جوٍّ من الصَّلاة والشَّركة وكَسْر الخبز، وكان الجميع يختبرون محبَّة الله.
يخبرنا الكتاب المقدس أمن المؤمنين كانوا:
«يُسَبِّحُونَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ» (أعمال ٢: ٤٧).
هكذا بدأت رسالة الإنجيل تنطلق، لا بقوَّةٍ بشريَّة، بل بعمل الرُّوح القدس الذي يُغيِّر القلوب.
خدمة بطرس ونمو الكنيسة رغم الاضطهاد
لم يَمُر وقتٌ طويل حتَّى بدأ الرُّسُل يواجهون مقاومةً شديدة من السُّلطات. بطرس ويوحنَّا أُلقيا في السِّجن أكثر من مرَّة، لكن الرَّب كان يفتح الأبواب. شفى بطرس الأعرج عند باب الهيكل بقوله:
«بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ» (أعمال ٣: ٦). فتعجَّب الجميع.
كما أقام طابيثا من الموت في يافا، فانتشر الخبر وآمن كثيرون. ورغم التَّهديدات، لم تتراجع الكنيسة، بل كانت
تصلي بحرارة. يخبرنا سفر الأعمال:
«اِمْتَلَأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلِمَةِ اللهِ بِمُجَاهَرَةٍ» (أعمال ٤: ٣١).
في وسط الضِّيق، استخدم الله حتَّى الاضطهاد ليُخرِج خيرًا. وحينما تشتَّت المؤمنون بسبب عنف شاول، ذهبوا مُبشِّرين بالكلمة في كل مكان. وهكذا وصلت البشارة إلى السامرة، حيث بشَّر فيلبس وشفى كثيرين من الأمراض، ثم التقى بالخصي الحبشي فبشَّره بالمسيح فآمن وتعَمَّد، وواصل طريقه مُتهلِّلًا.
دعوة شاول وخدمة الأمم
شاول الطرسوسي كان العدوَّ الأشرس للكنيسة، يُلاحق المؤمنين ويَسجنهم.
لكن الرَّب التقى به بطريقة عجيبة
في طريق دمشق، فسقط على الأرض زسمع الصوت:
“شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟“ أعمال ٩: ٤
في تلك اللَّحظة انكسرت قساوة قلبه، وانفتح بصره الرُّوحي ليرى المسيح القائم. منذ ذلك اليوم تغيَّرت حياته تمامًا، وصار رسولًا للأمم. بدأ شاول، الذي صار يُعرَف ببولس، رحلات تبشيريَّة عديدة أسَّس فيها كنائس في آسيا الصُّغرى واليونان.
واجه اضطهادات، ضربات، وسجون، لكنَّه كان يشهد بقوَّة أنَّ يسوع هو المسيح المخلِّص. حتَّى في سجنه في رُوما ظلَّ يُكرز ويُشجِّع المؤمنين. وبهذا تحقَّقت كلمات الرَّب أنَّ الإنجيل سيُكرَز به في كل المسكونة.
الخاتمة
سِفر أعمال الرُّسُل ليس فقط سجلًّا تاريخيًّا لبداية الكنيسة، بل هو شهادة أنَّ الله يعمل بقوَّة الرُّوح القدس في كل جيل. كلمة الله لا تتوقَّف أمام السُّجون أو الاضطهادات. ما بدأ في أورشليم امتدَّ إلى الأمم، حتَّى وصل إلى أقصى الأرض. وهكذا يبقى الإنجيل رسالة خلاص ورجاء، يدعو كل إنسان إلى الإيمان بالمسيح الذي يُغيِّر الحياة ويمنح رجاءً أبديًّا.
· الكاتب/ الشيخ فيكتور فهمي، شيخ الكنيسة الإنجيلية بالقللي