خَوفك ليس النهاية!
Roma

خَوفك ليس النهاية!
هل تتشجَّع لو قال لك أحدهم “كيف تخاف وأنتَ مؤمن؟! المؤمن لا يخاف؟!”
أم تشعر بالضيق والزَّجر وكأنَّه من عالمٍ آخر لا يشعر بالنَّاس؟!
في عالمٍ تُطالعنا أخبارُه كل يوم، لا عن شيءٍ إلا القتل والدمار والحروب!
الخيانة والغدر والظلم والهجران!
القسوة، الموت المفاجيء، الظروف الاقتصاديَّة الصعبة!
الأمراض، الأحزان، الاكتئابات والفشل، إلى ما آخره!
هل يقدر المؤمنون أن يحيوا بلا خوفٍ أو قلق؟!
أعتقد أن نبضات قلبك أخذت تتسارع بينما فقط أنت تقرأ هذه الكلمات. ما بال إن كنتَ يوميًّا تسمعها وتقرأها، بل تعيش بعضًا وربما كثيرًا منها؟!
الحقيقة! لا هذا ولا ذاك!
ثمَّة مبدأ رائع جميل يمكن أن نأخذه من الآيَّة التاليَة، يمكنه أن ينطبق على أمورٍ كثيرة في حياتنا!
“قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلَامٌ. فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ.”
(يُوحَنَّا ١٦: ٣٣).
المبدأ هو أن كلمة الله لم تعدنا بحياةٍ ورديَّة خالية من التحديات أو الضيقات، لكنَّها وعدتنا بذات الوقت أن نحيا بسلامٍ وسط هذا العالم الشرير، وأنَّ هذا العالم القاسي الموضوع في الشرير لن يهزمنا؛ لأنَّ نُصرتنا في الرب وبالرب.
نعم، الخوفُ شعورٌ يمرُّ به كلُّ إنسان، صغيرًا كان أو كبيرًا، مؤمنًا أو غير مؤمن. أحيانًا يَظهر فجأة، وأحيانًا يعيش الإنسانُ فيه سنواتٍ طويلة. بيد أنَّ كلمة الله تكشف أسبابه، وتُعلِّمنا كيف نغلبه بالإيمان والثقة في الرب، مستندين إلى شخصه، ووعوده، ومحبَّته الكاملة.
ففي عالمٍ مليءٍ بالتغييرات والمخاطر، دعوة الله لأولاده أن يحيوا في سلامٍ، لا في رعب. كما قُلت؛ فالحياة المسيحيَّة ليست خاليةً من التحديات، لكنها مليئة بحضور الرب القادر أن يُبدِّد أو بالأحرى يُبيد كل خوف.
لتبقى الطريقة والمفاهيم التي يجب أن نعرفها!
المحتوي
• أوَّلًا: ما هو الخوف في ضوء كلمة الله؟
الخوفُ هو استجابةٌ طبيعيَّة لشيءٍ يُهدِّد الأمان أو السلام، والكتاب المقدس يُوضِّح أنَّ الخوف يصبح خطرًا عندما يسيطر على القلب، ويُضعِف الثقة في الله. وهناك ما يُسمَّى بالخوف الروحي الذي هو عكسٌ لمرادفة الإيمان، إذ يُركِّز هذا الخوف على الاحتمالات السيئة بدلًا من التركيز على الحق الإلهي والتأمُّل واللهج به.
يقول الرسول بولس: “لِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ ٱلْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ ٱلْقُوَّةِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَٱلنُّصْحِ” (٢تيموثاوس ١: ٧).
المؤمن ليس مدعوًّا إذًا لأن يُقاد بالخوف، بل بقوة الرجاء والثقة في إلهٍ مُمسك بزمام الأمور.
• ثانيًا: أسباب الخوف الروحي
- أسباب الخوف كثيرة، لكنَّ الكلمة تُركِّز على الجذور الداخليَّة. إذ يَنبُع الخوف من:
• ضعف الإيمان.
• أو الجهل بصفات الله وصلاحه وأبوَّته.
• ناهيكَ عن أنَّ النَّاس في مواقفَ كثيرة خافوا؛ لأنهم ركَّزوا على الواقع الظاهر بدلًا من وعود الرب؛ بطرس مثلًا، حين ابتدأ يسير على الماء نحو يسوع، سار بالإيمان، لكن عندما رأى الريح شديدة، خاف وابتدأ يغرق (متى ١٤: ٢٩-٣٠).
• الخوف يأتي أيضًا من الماضي المؤلم.
• أو من شعورٍ بالذنب، أو من عدم الأمان في محبة الرب.
لهذا يحتاج الإنسان أن يعرف مَن هو الله، وماذا يقول عنه الكتاب.
ثالثًا: دعوة الله للتغلب على الخوف
لا يُدِين الله المؤمن حين يشعر بالخوف، بل يُشجِّعه ويُذكِّره بمَن هو. كم مرَّةً قال الله: “لَا تَخَفْ”؟! هذه ليست مجرد عبارة تشجيعيَّة،
بل هي نداء إلهي مبني على حضوره الدائم.
قال الله ليشوع في بداية خدمته:
“أَمَا أَمَرْتُكَ؟ تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ! لَا تَرْهَبْ وَلَا تَرْتَعِبْ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ” (يشوع ١: ٩).
الخوف يتبدَّد حين نُدرك أن الرب معنا، وأنه لم ولن يتركنا، وأنه يُمسك بيدنا في كل الظروف.
• رابعًا: أمثلة كتابيَّة لأشخاص تغلَّبوا على الخوف
• داود أمام جُليات:
لم يعتمد داود على قوَّته، بل على خبرته الرَّائعة مع الله. حيث تذكَّر كيف أنقذه الرب من الأسد والدب، وقد وثق أن الله نفسه سيُنقذه من جليات. إذ يقول: “ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ ٱلْأَسَدِ وَمِنْ يَدِ ٱلدُّبِّ، هُوَ يُنْقِذُنِي” (١صموئيل ١٧: ٣٧).
رؤية داود للرب كانت أوضح من رؤيته للخطر، وهذا هو مفتاح الانتصار على الخوف.
• بولس في وجه الاضطهاد:
رغم الضربات، لم يتراجع بولس، بل فرح بالضيقات. لم ينكر أنَّه خاف أحيانًا، لكنه واجه الخوف بثباتٍ، ووعي بأنَّ النعمة تكفيه؛ فقال: “فِي كُلِّ هَذِهِ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي ٱلضِّيقَاتِ” (روميَّة ٥: ٣).
إنَّ ثقته في دعوة الله وسيادته على الظروف جعلته يُواجه كل تحدٍ بإيمان.
• مريم العذراء أمام الرسالة الإلهيَّة:
عندما أعلن لها الملاك بشارة الحَمْل، اضطربت وخافت، لكنها اختارت الطاعة رغم الغموض، وقالت: “لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ” (لوقا ١: ٣٨).
لم تفهم السيدة العذراء كل شيء، لكنها سلّمت للرب، وهذا ما جعلها تغلب خوفها.
أخيرًا، وسائل عمليَّة لكسر الخوف بحسب الكتاب
• الثبات في كلمة الله:
الحق الإلهي ينقّي الذهن من الأكاذيب، ويُجدِّد الثقة في وعود الله. فكل مرة يقرأ المؤمن الكلمة، تتقوَّى نفسه ويضعف الخوف؛ كنتيجةٍ طبيعيَّةٍ للثقة الدَّاخليَّة التي تُبنى في قلوبنا استنادًا على محبَّة الرب العمليَّة نحونا نحن أبناؤه.
• الصلاة في كل حين:
الصلاة ليست فقط كلامًا لله، بل اتصالٌ حي مع روحه القدوس يُغيِّر القلب. حين نطرح مخاوفنا أمامه، يُرسل سلامه ليحرِّرنا منها.
• معرفة وإدراك محبَّة الله:
المحبة الإلهيَّة الكاملة تعني أنَّ لا شيء يقدر أن يفصلنا عنه. مَن يدرك عمق محبة الله لا يخاف؛ لأنه يعلم أن الله معه مهما كانت الظروف. “ٱلْمَحَبَّةُ ٱلْكَامِلَةُ تَطْرَحُ ٱلْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ” (١يوحنا ٤: ١٨).
• الشركة الروحيَّة مع المؤمنين:
الوجود في وسط جسد المسيح يُشجِّع، ويذكِّرنا أننا لسنا وحدنا في معركتنا. فمن خلال المحبة والدعم، نختبر قوة الجماعة ضد الخوف.
ختامًا..
الخوف ليس النهاية، بل بداية لإعلان جديد عن نعمة الله وقوَّته. في كل لحظة خوف، هناك دعوة من الرب أن ترفع عينيك إليه وتثق فيه. ففي يسوع المسيح،
يوجد رجاء، ويوجد شفاء للمخاوف القديمة والجديدة. ثق أن الرب يراك، يسمعك، ويقول لك اليوم كما قال سابقًا: “لَا تَخَفْ، لِأَنِّي مَعَكَ” (إشعياء ٤١: ١٠).
لا تسمح للخوف أن يُقيِّدك، بل دع الرب يُحرِّرك؛ لتسير معه في ملء الأمان.
الكاتب/ مينا نبيل