الرجل الفلسطينى وزوجته الأسرائيلية

william

الرجل الفلسطيني – وزوجته الإسرائيلية

في سيارته الشروكي  الضخمة كان يجوب شوارع بيت لحم هو وزوجته، وفي الكرسي الخلفي كان يجلس طفلهما الصغير إياد الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره، وكان أبو إياد يطرق البيوت بصورة عشوائية، غير مميز أي بيت عن الآخر، وكان يسأل سؤاله المعهود إلى سيدة الدار:
– عفوًا سيدتي… هل عندكم طحين؟
فتنظر إليه السيدة بلهفة وتقول:
– كلا يا أبو إياد… هل جئت ببعض الطحين لأسرتنا؟ لقد نفذ الطحين من البيت تمامًا.
– لحظة واحدة يا سيدتي.
ويسرع أبو إياد إلى سيارته، ويتجه إلى الباب الخلفي للسيارة ليخرج كيسًا من الطحين ويحمله إلى السيدة الملهوفة ويعطيه لها، ثم يرجع إلى سيارته ويُكمل هو سيره، ترافقه دعوات السيدة التي وجدت حاجتها وحاجة أسرتها لأيام قليلة.
* * *
بيت لحم… ذلك المكان الذي أصبح لا يحمل معناه بعد الظروف القاسية التي يوجهها المكان من الحصار الإسرائيلي لأهله حتى صار المكان كما لو كان فيه مجاعة، ذلك المكان الذي معنى اسمه بيت الخبز، لم يعد فيه أي شيء غير الخراب والخوف الرهيب من الغد القريب.
أما أبو إياد هذا فقد كان لوقت قريب، أحد التجار الأغنياء جدًا في فلسطين العربية، وكان يعيش في غزة ومتزوج من سيدة عربية ناصرية ولها جواز سفر إسرائيلي نتيجة لمعيشتها في الجزء الذي يخص إسرائيل من فلسطين، وعندما قامت انتفاضة الأقصى، واجه أبو إياد مثله مثل غيره من الشعب كل المحن، وواجه صعوبة في العيش وفي التجارة، ولكن الذي كان يؤلمه فعلًا هو أنه وجد في كل بيت في بلدته ميتًا، شابًا أو طفلًا؛ وذلك بسبب أعمال العنف الإسرائيلي، أو الأعمال الانتحارية من الشباب الفلسطيني لكي يعبروا عن رغبتهم الرهيبة في تحرير بلادهم، كل هذا تسبب في أزمة نفسية شديدة لأبي إياد، لذا أراد أن يشارك بلدته في شيء يعبر عن كفاحه وجهاده ضد العدو الإسرائيلي، ولكن لم يكن أبو إياد ممن يؤمنون بالانتحار في سبيل القضية، ولم يكن يؤيد فكرة أن يفجر شباب في عمر الزهور أنفسهم في سبيل أن يقتلوا جندي أو اثنين من جنود الاحتلال، ولكنه أيضًا كان مؤمنًا بقضيته تمام الإيمان، وكان يريد لها أن تُحل بأسرع وقت، وكان يحزن كثيرًا لأجل البيوت التي تنفذ منها موارد الطعام، فكان يكرس نفسه ووقته في توفير الطحين والاحتياجات الأخرى الضرورية للبيوت، ففكر أنه يمكن أن يخدم بلدته بهذا الأسلوب، إذ أراد أن يقدم ثروته في سبيل الأسر المحتاجة والتي ينفذ منها الطعام، فقد كان يذهب مرة إلى الأردن ومرة إلى مصر ليجمع التبرعات العينية، وأيضًا ليشتري تلك الاحتياجات التي لا يستطيع توفيرها من خلال التبرعات، ويأتي بها إلى بلاده ويجوب القرى والمدن محاولًا تقديم المساعدات.
* * *
كانت هذه هي رسالته التي فيها يحاول أن يساعد بلده، وعندما قيل له أن بيت لحم تعاني من المجاعة وجه سيارته إليها بسرعة، ومعه ما يستطيع حمله من الطعام والمواد التموينية، وعندما انتهى من توزيع بضاعته على البيوت المحتاجة، نظر إلى الخلف ليجد سيارته بها مزيدًا من الأشياء التي يمكن أن تُوزع، فنظر إلى زوجته وفكر قليلًا ثم قال:
– لنتجه إلى القدس.
قالها لزوجته التي نظرت إليه في خوف وقالت له:
– هذا خطر كبير يا أبو إياد.
– لا تخافي… سندخل ونخرج بسرعة، لابد أنه يوجد كثيرون يحتاجون إلى الخبز.
– ربنا يستر.
* * *
اتجه الرجل إلى طريق القدس، وكان يقود سيارته وهو يتحدث مع زوجته بينما كان ينبعث من جهاز التسجيل صوت فيروز وهي تغني أغنيتها الشهيرة (القدس لنا)، بينما كان الطفل إياد يلهو بلعبة كان قد ابتاعها من مصر في زيارته الأخيرة، وسارت السيارة في طريقها إلى القدس حتى أوقفتهم دورية من البوليس الإسرائيلي.
تنزل الزوجة من السيارة، يتحدث لها الجندي بغلظة وهو يعبث ببندقية آلية.
– أوراقك.
تخرج السيدة أوراقها وجوازها الإسرائيلي، فينظر الرجل إلى الجواز دون أن تتبدل ملامح الغضب، ويبدو أنه يسمع صوت فيروز من داخل السيارة فيسترسل:
– أوراق الرجل الذي معك.
– هذا زوجي… وهذا طفلنا.
يتجه بالنظر إليه، ثم يقول له:
– انزل من السيارة.
يهبط أبو إياد من السيارة، ويتجه إلى سيارة الدورية هو وزوجته، فيقول له الشرطي:
– أوراقك.
– تفضل.
– لماذا أنت هنا؟
– هذه زوجتي ونحن في زيارة لأقربائنا في بيت لحم.
– زيارة أم توزعون طعام؟
– نوزع طعام للمحتاج… هل هناك قانون يمنع هذا؟
نظر الرجل وقال:
– أنت واحد من الإرهابيين، أليس كذلك؟ تعال معنا.
– أنا لم أحمل سلاحًا في حياتي، وأنا أقدم معونة للسيدات المحتاجة واللواتي مات شبابهن وأقاربهن.
– إذًا أنت تساعد هؤلاء الإرهابيين، وأنت فلسطيني، وجئت إلى أرض لا يحق لك الدخول فيها و …
* * *
كان إياد لا يزال مشغولًا باللعب عندما سمع ذلك الصوت الرهيب، صوت مدفع رشاش ينطلق وبعض الرصاص يصيب جسم السيارة، فيتجه المسكين بنظره إلى ناحية الصوت، ليجد والده ووالدته وهم غارقون في الدماء فيصرخ في ألم مرير:
– أبي … أمي!!
وفي نفس الوقت كانت فيروز تغني: “الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان”.

المصدر: كتاب السباق الأخير

للكاتب :عماد حنا

 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك