وسط الزحام .. سلامٌ من السماء
Roma

وسط الزحام .. سلامٌ من السماء
هل تشعر أنَّكَ تعيش في سباقٍ مستمر قلما تأخذ فيها قِسطًا من الرَّاحة مثلك مثل كل العَدَّائين؟!؟ فها كثرةٌ من المواعيد، الأفكار، مهام العمل، وها زحامٌ من الأخبار، العَلاقات بكل تفاصيلها: أتعابها قبل أوقاتها الجميلة، صراعات السوشيال ميديا عبر كل تطبيقاتها، والأهمُّ من ذلك كله، صوتٌ داخليٌّ مُتعِبٌ مُتعَبٌ لا يتوقف؟
الأكيد أنَّك وسط كل هذا الزحام، تتساءل:
المحتوي
“أين الله؟ لماذا لا أشعر بسلامه؟ وهل ما زال يتكلم إليَّ؟”
لأنَّ كثيرين يعيشون عَلاقتهم بالله بطريقةٍ سطحيَّة أو تقليديَّة، لا يعرفون حقًّا طعم الراحة الحقيقيَّة، أو مذاق التوجيه الإلهي الحُلو الرَّائع. لكنَّي أنهِضُ الآنَ ذهنك عزيزي القاريء بالتذكرة، أنَّ الرَّبّ إنَّما يدعونا إلى عَلاقةٍ حيَّة ومستمرة معه، فيها سلامٌ بالقلب، وصوتٌ واضح يرشدنا كل يوم.
نعم، كمؤمنين، لسنا بمعزل عن ضغوط الحياة، لكننا مدعوون لنسير في طريقٍ مختلفة، طريق التلمذة، نعم!
حيث السلام الإلهي، وحيث صوت الراعي الذي لا ولن يُخطئه القلب الطائع.
أولًا: السلام وسط زحام الحياة
أكرر، في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث، وتعلو فيه الضوضاء، يبحث كثيرون عن لحظة هدوء،
عن ملجأ آمن، عن كلمة تُسكِّن النفس وتُرشد الطريق. وهذا يقودنا لـ
تعريف السلام الحقيقي
السلام الذي يعطيه الرَّبّ لا يَعني غياب التجارب، أو راحةً مؤقتة، بل هو حضور الله الدَّائم معنا في خِضم العاصفة. سلامٌ لا يعتمد على الظروف، بل على ثبات الله ذاته ومحبَّته غير المحدودة نحونا .
“سَلَامًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلَامِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي ٱلْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لَا تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلَا تَرْهَبْ.” (يوحنَّا ١٤: ٢٧)
مصدر السلام
حقيقةً السَّلامُ لا يُصنَع، بل يُمنَح من السَّماء. عندما نثق أنَّ الرَّبَّ ضابط الكل، نرتاح.
عندما نؤمن أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبونه، نطمئن.
“وَسَلَامُ ٱللَّهِ ٱلَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (فيلبِّي ٤: ٧).
معوّقات السلام
يختنق السلام بداخلنا حين نُفرِط في التفكير، أو ننشغل بالركض دون الجلوس خاشعين يوميًّا عند قدمي يسوع. تذكَّر جيدًا معي: الخوف، التشتت، القلق.. كلها أعداءٌ شرسة للسلام. ” “فِي ٱلْمَحَبَّةِ لَا خَوْفَ، بَلِ ٱلْمَحَبَّةُ ٱلْكَامِلَةُ تَطْرَحُ ٱلْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ، لِأَنَّ ٱلْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ.” (١يوحنَّا ٤: ١٨).”
مفاتيح لاختبار السلام
• الصلاة: فحين نطرح همومنا في حضرة الله، يُستبدَل القلق بالسلام.
“لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، بِٱلصَّلَاةِ وَٱلدُّعَاءِ مَعَ ٱلشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى ٱللَّهِ.” (فيلبِّي ٤: ٦).
• الكلمة: وهي تُغذي أرواحنا يوميًّا؛ إذ تُبقِي القلب في اتزان.
“كَثِيرُونَ سَلاَمٌ لِمُحِبِّي شَرِيعَتِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَعْثَرَةٌ.” (مزمور ١١٩: ١٦٥).
• تنظيم الأولويات: أي الرَّبُّ أولًا، والباقي سيأخذ مكانه الصحيح.
“لَكِنِ ٱطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ ٱللَّهِ وَبِرَّهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.” (متّى ٦: ٣٣).
ثانيًا: كيف أسمع صوت الرَّبِّ وسط (الدَّوشة)؟
الله لا يزال يتكلم
لم ولن يتوقف الله عن التَّحدُّث إلى أولاده. لكنه لا يصرخ وسط الضوضاء، بل يهمس في الهدوء.
“خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي.” (يوحنّا ١٠: ٢٧).
طرق سماع صوت الله
1. من خلال الكلمة المقدسة:
كلمة الله هي المرجع الأوَّل، الثابت الذي لا يتغيَّر أبدا أو يتزعزع، وهي الطريقُ الآمن لسماع صوته؛ إذْ تنير الطريق وتكشف مشيئته.
“سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلَامُكَ، وَنُورٌ لِسَبِيلِي.” (مزمور ١١٩: ١٠٥).
2. بواسطة الروح القدس في داخلنا:
الروح القدس لا يُعطي فقط فهمًا للكلمة، بل يُذكِّرنا بها، ويقودنا في اختيارات الحياة اليوميَّة. “وَأَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلْآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.” (يوحنَّا ١٤: ٢٦).
3. عبر ظروف الحياة:
قد يُغلق الله أبوابًا أو يفتحها، ليُرينا طريقه أو يمنعنا عن اختياراتٍ خاطئة.
“وَبَعْدَمَا ٱجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّة وَكُورَةِ غَلَاطِيَّة، مَنَعَهُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِٱلْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا.” (أعمال ١٦: ٦)
4. من خلال مؤمنين ناضجين:
أحيانًا يُرسل الله كلمته عبر خادمٍ أمين أو صديق روحي، كوسيلة للتشجيع أو التوجيه. “فِي كَثْرَةِ ٱلْمُشِيرِينَ ٱلْخَلَاصُ.” (أمثال ١١: ١٤).
5. بالصوت الهادئ الخفيف:
أحيانًا لا يتكلم الله من خلال الأحداث العنيفة، بل في لحظة سكون! بصوتٍ داخلي يُشبه الهمس،
يُميِّزه فقط القلب الخاشع. “وَبَعْدَ ٱلنَّارِ صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ.” (١ ملوك ١٩: ١٢).
6. من خلال الرعايَّة الروحيَّة:
يستخدم الله الرعاة الأمناء النَّاضجين المشهود لهم، الذين أقامهم لتغذيَة وإنعاش المؤمنين، وإرشادهم في الطريق،
وتصحيح مسارهم إن لزم الأمر. “وَأُعْطِيَ ٱلْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَٱلْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَٱلْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَٱلْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لِأَجْلِ تَكْمِيلِ ٱلْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ ٱلْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ.” (أفسس ٤: ١١–١٢).
ختامًا
يريد لك الرب سلامًا لا يتزعزع، ويريد أن يُسمِعَك صوته وسط الزحام. أفهل تُفرغ له مَساحةً في جدولك المزدحم؟
هل ستُخلِي مكانًا في قلبك لسماع صوته بدلًا من ضوضاء هذا العالم؟
وقتُك مع الرَّبِّ ليس رفاهيَةً، بل ضرورةٌ لا غِنى عنها.
اصنعْ عادةً وابدأ يومك على النَّحو التَّالي: خذ بضع دقائق في صمت، اقرأ كلمته، صلِّ ببساطة، ودوِّن ما يضعه الله في قلبك.
تُرى: ماذا قال لك الله اليوم؟
الكاتب/ مينا نبيل