رَفيق الرُّسل ومُؤرِّخ بدايات الكَنيسة!
Roma

رَفيق الرُّسل ومُؤرِّخ بدايات الكَنيسة !
ويعتبره بعضُهم الآخر من يهود الشَّتات. ويهود الشَّتات هم اليهود الذين تفرَّقوا، واستقرُّوا في بلدانٍ مثل بابل، مِصر، واليونان بعد السَّبي البابلي، وما تلاه،
والذين كانوا يحتفظون بهويتهم الدينيَّة والثقافيَّة رغم اندماجهم في مجتمعات متعددة.
عودٌ إلى لوقا، وهو اختصارٌ للاسم اليوناني لوقانوس أو لوكيوس، ومعناه “حامل النور،” أو “مُعطي النور.”
للأسف لا يَمُدُّنا التَّاريخُ بمعلوماتٍ عن حياته السابقة، قبل تعرُّفه على بولس الرسول، وقلما يذكر لوقا تفاصيلَ عن نفسه،
ولا يوجد على وجه الدِّقَّة شيءٌ مُحدد معروفٌ عن خلفيته واهتدائه.
هناك مَن يقول إنه كان من سُكَّان أنطاكية، وثمَّة مَن يقول إنه واحدٌ من السَّبعين رسولا الذين أرسلهم الرب يسوع. وقائلٌ آخر إنه واحدٌ من تلميذي عمواس،
اللذين هما اثنان من أتباع المسيح ظهر لهما بعد قيامته وهما في طريقهما إلى قرية عمواس، فكان لقاؤهما معه سببا في فتح أعينهما ومعرفته،
عندما كسر الخبز معهما (لوقا 24: 13–35).
لكن لوقا يوناني الجِنسيَّة؛ وهو الأمميُّ الوحيدُ من كل كتبة الوحي، أي هو ليس ذا أصلٍ يهودي؛ لهذا استثناهُ الرَّسول بُولُس من الختان.
كتب لوقا سِفرين في الكتاب المقدس، هما (سفر الأعمال بالإضافة إلى البشارة التي تحمل اسمه)؛ وهما أطول أسفار العهد الجديد،
بما يُشكِّل حوالي ثلث العهد الجديد. كتبهما من روما، وأثناء سِجن بولس حوالى عاما 60-62م.
سجَّل البَشير لوقا نبوَّةَ المسيح عن خراب أورشليم سنة 70م، الواردةُ في (إنجيل لو19: 42-44، 21: 20-24).
ولا يذكر سفر أعمال الرُّسُل شيئا عن الاضطهاد العظيم الذي ذاقته الكَنيسة أيام حكم نيرون سنة 64م.
علاقة لوقا بالرَّسول بُولُس
أوَّل ذِكرٌ للوقا في الكتاب المقدس عندما انضمَّ إلى الرَّسول بُولُس في رحلته التبشيريَّة الثَّانيَة، وورد اسمُه في العهد الجديد ثلاث مرات فقط يسلم:
- 1. (كولوسي 4: 14): “يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوقَا الطَّبِيبُ الْحَبِيبُ، وَدِيمَاسُ.”
- 2. (فليمون 1:24): “يُسَلِّمُ عَلَيْكَ بِفَرَسْ، الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَرْقُسُ وَأَرِسْتَرْخُسُ وَدِيمَاسُ وَ لُوقَا، الْعَامِلُونَ مَعِي.”
- 3. (2 تيموثاوس 4:11): “لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ، لِأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ.” وهذا الشَّاهد هو آخر ذِكر عنه، لتنقطع بعد ذلك أخباره نهائيا من سفر الأعمال، وبقيَّة العهد الجديد.
كان لوقا طبيبا لعائلةٍ رومانيَّة، ودعاه بُولُس الرَّسول “لوقا الطبيب،” وقد حصل على الجنسيَّة الرومانيَّة؛ نتيجة عمله مع تلك الأسرة.
تميَّز أسلوب لوقا في التعبير بأنَّه أسلوب كاتب بارع مثقف واسع الاطلاع، هو أيضا مؤرخ مدقق يتقن اللغة العِبرانيَّة والآراميَّة.
هو نعم لم يكن من الاثني عشر تلميذا، لكنَّه كان شاهد عيان على معظم ما كتبه في سفر الأعمال.
هو لم يعاين الرب يسوع بالجسد، لكنه اعتمد في كتابة إنجيله على ما تسلمه مِمَّن سبقوه، وعلى ما كان مكتوبا وشائعا بين شهود العيان
(أي المُعاينين لأحداث البشارة) والتلاميذ.
قضى لوقا الشطر الأعظم من حياته في صحبة الرَّسول بُولُس حتى استشهاده، لا كمجرد شخص مصاحب، أو مُسجِّل لأخبار تنقلاته أو عظاته أو مواقفه الدفاعيَّة أو الورطات التي تنتهي بالمحاكمات والسجن والضرب، لكن كشاهد عيان يكتب بحسب فكره ونظرته وتقييمه الخاص لكل موقف وموضوع.
لذلك عندما يسرد سفر الأعمال بقوله “نحن؛” لغته هنا بالجمع تَعني (بولس ولوقا)؛ أي إنه كان صاحب رأي ومشورة في الموضوع:
“فلما رأى الرُّؤْيا فِي اللَّيْلِ رَجُلاً مَكِدُونِيّاً يَقُومُ وَيَقُولُ: «اعْبُرْ إِلَيْنَا وَأَعِنَّا!»، وَفَلَمَّا رَأَى الرُّؤْيا لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نُخْرِجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، مُتَحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ.” (أَعْمالُ الرُّسل 16: 9، 10).
“ثمَّ كُنَّا نُكَلِّمُ النِّسَاءَ الَّلوَاتِي اجْتَمَعْنَ” (أَعْمالُ الرُّسل 16: 13).
حسب التقليد والآثار الكنسيَّة
- رافق لوقا بولس في رحلته من مدينة ترواس إلى فيلبي كما جاء في (أعمال الرُّسل 16: 8-13).
- وبقي هناك حتى عاد بولس من الرحلة التبشيريَّة الثالثة (أعمال الرُّسل 20: 5، 6).
- كان مرافقًا لبولس في رحلته الأخيرة من فيلبِّي إلى أورشليم بعد أن قضى أسبوعًا في ترواس:
- “فَاجْتَازَا فِي أَمْفِيبُولِيسَ وَأَبُولُونِيَّةَ، وَأَتَيَا إِلَى تَسَالُونِيكِي، حَيْثُ كَانَ مَجْمَعُ الْيَهُودِ.” (أعمال الرُّسل 17:1).
- “وَأَمَّا نَحْنُ فَسَافَرْنَا فِي الْبَحْرِ بَعْدَ أَيَّامِ الْفَطِيرِ مِنْ فِيلِبِّي، وَوَافَيْنَاهُمْ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ إِلَى تَرْوَاس.” (أعمال الرُّسل 20:6). “وَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَنَا الإِخْوَةُ بِفَرَحٍ.” (أعمال الرُّسل 21:18).
- كان مرافقًا لبولس لمدة سنتي الأسر في قيصرية وقضى معه الجزء الأكبر من سجنه في قيصرية: “وَأَمَرَ قَائِدُ الْمِئَةِ أَنْ يُحْرَسَ بُولُسَ وَتَكُونَ لَهُ رُخْصَةٌ، وَأَلَّا يُمْنَعَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ (لُوقَا) أَنْ يَخْدِمَهُ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ.” (أعمال الرُّسل 24:23).
- كما رافق الرسول بولس في رحلته الأخيرة إلى روما، واشترك معه في الأخطار التي حدثت من انكسار السفينة وبقي معه طوال مدة سجنه الأول.
ختاما..
يبقى لوقا الطبيب البشير شاهدا حيا على الإيمان العملي، إذ جَمَعَ بين العقل المتأمل والقلب المؤمن. خدم الكلمة بوفاء،
ورافق الرسول بولس كصديق وأخ وشاهد عيان، فدوَّن لنا أعظم لحظات البشارة الأولى. كتاباته لم تكن مجرَّد سردٍ تاريخي،
بل شهادة محبة لله الذي يعمل في البشر، من أجل خلاص العالم.
الكاتب/ الشيخ فيكتور فهمي عويضة، شيخ الكنيسة الإنجيليَّة بالقُللي