الآن أستطيع النوم

william

الآن أستطيع النوم

لا أستطيع النوم… كانت لا تزال مؤخرتي تؤلمني بشدة… لقد ضربتني أمي كثيرًا… وكانت لا تزال عيناي تنزل منهما الدموع على الرغم مني… ولكن أوامر أمي الصارمة بأن أصمت، جعلتني أكتم البكاء الصارخ الذي يريد أن ينبعث من أعماقي؛ حتى لا تسترسل في الضرب طالما أنا لا زلت أبكي… لقد قالت عني عبارة لم أفهمها… لقد قالت أني مخربة وشقية… لم أعرف معنى هذه الكلمة، كل ما أذكره هو أني كنت أرسم وألون… انتبهت قليلًا… هل نام أخي الأكبر؟ كلا… إنه لا يزال يتقلب على الفراش… لابد أن مؤخرته هي أيضًا لا تزال تؤلمه… ولكنه بدوره لا يجرؤ على البكاء؛ حتى لا يأتي أبي أو أمي لنجد مزيدًا من التعنيف، ومزيدًا من التوبيخ، ومزيدًا من تلك العبارات الصعبة التي لم أفهمها، ربما عندما أكبر أجد لها معنى، أما الآن فهي مجرد كلمات ليس لها معنى داخلي.
يقولون أن عمري سنتان، وربما أقل ببضعة أيام، إذ سيحتفلون في منتصف الشهر القادم بعيد ميلادي، ولست أدري إذا كان هذا العمر يكفي لأن أعمل الصواب أو لا، ولكني كنت أعرف شيئًا واحدًا، أني كنت أحب ما كنت أعمل، وكذلك أخي الأكبر الذي سيحتفل غدًا بعيد الربيع في مدرسته، فهو الآن في السنة الأولى من روضة الأطفال، وهو كان يحفظ بعض الأناشيد غير المفهومة ويرددها علي، وفجأة قال لي:
– تعالي نلون ورود الربيع.
وأخرج كتاب رسومات مليء ببعض الخطوط الغريبة، وقال عنها أنها ورود، لم أعرف ما هي الورود ولكنه راح يستخدم ألوانًا مختلفة ويملأ فراغات تلك الورود.
حاولت أن أفعل مثله فبدا لي ذلك سخيفًا، ولكن الألوان لونها جميل، وضعت لونًا على يدي ورحت ألون، بدا لي شكل يدي جميلًا، وأخي عندما رأى ذلك راح يضحك، ليترك هو أيضًا بدوره الأوراق، وبدأنا نرسم في كل أطرافنا… اليدين والقدمين… بسعادة ومرح.
كان كل ما نفعله جميلًا… ولكن لقد قالت أمي أننا قمنا بتوسيخ أنفسنا وفي الصباح الحفلة… ولكننا لم نقم بأي شيء من هذا!! إننا رسمنا على أجسادنا ألوانًا جميلة.
* * *
تذكرت منظر يدي وقدمي ورحت أضحك، وتذكرت شكل أمي وهي ترى هذا الأمر، فتنتابها عصبيتها المعتادة لتأخذني على الحمام وهي تصرخ، تبدأ بدعك جسدي، كانت الألوان ترفض أن تفارقني، بينما كنت أبكي وأمي تصرخ وأبي يحاول تهدئتها… وأخي ينتظر دوره بخوف ورعب وهي تنظر إليه وتتوعده… لقد بدا لي أن كل ما أفعله جميلًا… لماذا تصرخ أمي هكذا؟ لم أفهم… ولكن جسدي كان يؤلمني بسبب ذلك الدعك العنيف والعصبي الذي تدعكه أمي حتى تخرج الألوان من جسدي، ومن خارج الحمام يسأل أبي:
– هل اختفت الألوان؟
فترد أمي:
– بصعوبة… لا يزال تحت العينين وفي خدها ألوان لا تريد أن تترك وجهها.
– دعيني أحاول أنا.
ولكن أمي ترفض بعصبية، وتستمر المأساة وقتا طويلًا حتى شعرت بسخونة كبيرة في جسدي، وبعد فترة بدأت تفعل نفس الأمر مع أخي… بينما أنا في حضن أبي يقول لي كلامًا أكبر من أن أفهمه… على كل حال كان الأمر محتملًا حتى اكتشفت أمي شيئًا آخرًا… لقد رأت تلك الرسومات التي رسمتها أنا وأخي على حائط منزلنا فكانت المأساة الحقيقية.
* * *
رحت أتقلب على فراشي… لقد اعتادت أمي هي وأبي أن يرافقانني أنا وأخي إلى السرير، يضعون الغطاء علينا ويعطونا قبلة المساء قبل النوم، وقد أعتدت ألا أنام إلا بعد هذه القبلة الجميلة من أمي وأبي، ولكن أبي وأمي غاضبان اليوم، وتركانا في الفراش بدون قبلة، لا يأتيني النوم، وها أخي بدوره يتقلب في الفراش ولا يجرؤ على محادثتي، ولكني أعرف أنه لا ينام بدون تلك القبلة المسائية من والدينا، لماذا يحرمانا منها؟ لقد عاقبونا بالضرب… ألا يكفي هذا؟
لا أستطيع النوم… هل نامت أمي؟ هل نام أبي؟ أخذت أسترق السمع… كلا لم يناما… التلفزيون لا يزال يصدر أصواته.. لقد تأخرا اليوم في النوم.
سمعت صوت أمي تأتي خلسة هي وأبي إلى الغرفة.. وراحت أمي تسأل أخي:
– هل نمت؟
فيصدر صوتًا يدل على استيقاظه، فتقول لأبي بصوت خفيض:
– على ما يبدو أنهما لا يزالان مستيقظان… لنسهر فترة أخرى.
– متى ينامان؟
قالها أبي بضجر… أكان يجب على أخي أن يصدر صوتًا ويظهر أنه مستيقظ؟ إنهما لن يستطيعا النوم بدون أن يعطيانا تلك القبلة المعتادة، الآن عليهما السهر من جديد حتى يتأكدا من أننا نمنا… فيعطيانا تلك القبلة… أنا أعلم أنهما لن يعطياها لنا ونحن مستيقظون، حتى يقولا لنا أنهما في حالة (زعل) منا.
أخذت أتقلب في فراشي من جديد، وأنا أتذكر تلك الألوان الجميلة التي لوَّنا بها الحائط… لقد كانت فكرة أخي، كان صديق لأبي قد أهدانا مجموعة من الأنابيب التي نفرغها في وعاء ونضع الماء ونقلبها بفرشاة فتأتينا بألوان جميلة، فأغلقنا على أنفسنا الباب -باب مكتب أبي- وبعد أن قمنا بتلوين أجسادنا، رأينا حائطًا أبيض اللون شكله غير أنيق… فأخذنا الفرشاة وبدأنا في تغيير شكله، فكان شكله بعد تلويننا إياه رائعًا… وقضينا الوقت نضحك ونلهو بينما أبي وأمي يشاهدان التلفاز وهما مسرورين لحالة الصمت التي انتابتنا على غير عادتنا، دخلت قطتنا الجميلة الغرفة، كان شكلها أبيضًا وقبيحًا، فأمسكت بها وغطستها في الألوان لتخرج ولها ألوان جميلة جدًا، ووسط صرخات قطتنا، رحت أمسح بجسدها في الحائط حتى يصبح الكل بهذا اللون الجميل، وضحكنا كما لم نضحك من قبل، جرت القطة إلى أبي وأمي، وعندما رأتها أمي فهمت أن في الأمر سر، فدخلت مسرعة إلى غرفة المكتب، ووجدت المفاجأة.
أخذت أتحسس مؤخرتي وأنا أتذكر ما فعلته أمي بي… كان يومًا حافلًا… وها أنا الآن في فراشي دون أن أنال قبلة منها.. هل هذا عدل؟
* * *
يدخل أبي وأمي من جديد إلى الغرفة، يسألانا إذا كنا مستيقظين.. لم يتكلم أحد منا… تُسرع أمي وتغطي كل واحد فينا، وبهدوء ينال كل واحد منا قبلة جميلة من أمي وقبلة جميلة من أبي، ويخرجان… التلفزيون يغلق… ويذهبان للنوم… أستمع إلى أخي، لقد وضع رأسه على الوسادة في هدوء، الآن فقط سوف يتمكن من النوم، أما أنا فأخذت دميتي في حضني، فأنا أيضًا الآن فقط أستطيع أن أتناسى مؤخرتي التي تؤلمني… الآن فقط أستطيع أن أمسح دموعي… الآن فقط أستطيع النوم .

المصدر :كتاب السباق الأخير

للكاتب :عماد حنا

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك