بولس- ما لم يذكره سِفْرُ الأعمال

Roma
 بولس- ما لم يذكره سِفْرُ الأعمال

 بولس- ما لم يذكره سِفْرُ الأعمال

ينتهي سِفْرُ أعمال الرسل بنهايةٍ مفتوحة، تاركًا القارئ متسائلًا عن مصير بولس الرسول بعد عامين من أسرهِ الأول في روما. فهل حُوكم؟ هل نال حريته؟

وكيف كانت نهاية رحلته؟ بالاعتماد على التقليد الكنسي والرسائل الرعوية، تتكشَّف فصولٌ أخيرة ومهمة من حياة هذا الرسول العظيم،

تروي قصة محاكمته الأولى، ورحلاته الكرازية الأخيرة، وحتى استشهاده.

• أولاً: المحاكمة الأولى والحكم بالبراءة

يُختتم سِفْرُ الأعمال بذِكر أن الرسول بولس قضى سنتين كاملتين تحت الأسر في روما، دون أن يذكر لوقا الطبيب شيئًا عن محاكمته أمام قيصر (أعمال 28: 16).

بعد هذا التأخير، أُعلِنَ ميعادُ المحاكمة والتقاضي أمام الإمبراطور نيرون. وقف بولس مقيدًا ليحاكم بمقتضى القانون الروماني.
بدأت المحاكمة بسماع الاتهامات التي ساقها بعض اليهود المدفوعين من رئيس الكهنة، وبعد استجواب الشهود، أُعطيت لبولس الفرصة للدفاع عن نفسه. لم تثبت عليه أيٌّ من الإدانات، وبعد المداولة، اقتنعت السلطات الرومانية ببراءته.
نطق نيرون ببراءة بولس من كل التهم المنسوبة إليه، وأمر بفك قيوده وإعطائه حريته كمواطن روماني، فخرج بولس من القصر الإمبراطوري حُرًّا.

• ثانياً: رسائل ما بعد الأسر الأول

بعد خروجه من السجن، كتب الرسول بولس عدة رسائل تُعرف بالرسائل الرعوية، وهي:

1. الرسالة الأولى إلى تيموثاوس: كتبها الرسول بولس من مكدونية حوالي عام 67م، بهدف تقوية إيمان تيموثاوس وحثه على اليقظة ضد البدع،

كما وضع له قوانين لإدارة شؤون المؤمنين ووصايا لكيفية السلوك العام.

2. الرسالة إلى تيطس: كتبها الرسول بولس بعد أن ترك مكدونية وذهب إلى أفسس ثم إلى كريت،

وقبل ذهابه إلى نيكوبوليس لقضاء الشتاء بها (تيطس 3: 12). جاءت هذه الرسالة على نمط رسالته الأولى إلى تيموثاوس من جهة ترتيب أمور الكنيسة.

3. الرسالة الثانية إلى تيموثاوس: تُعد هذه رسالة بولس الأخيرة، وقد كتبها وهو في سجنه الأخير بروما قبيل صدور الحكم عليه. طلب فيها من تيموثاوس

أن يُسرع بالحضور ليمنحه البركة الأخيرة، ويخبره باستعداده للانتقال إلى السماء وتتويجه بالأكاليل التي أعدها الله له (2 تيموثاوس 4: 6-9).
وتذكر رسالة العبرانيين أنه أثناء ذهاب تيموثاوس لرؤية بولس، تم القبض عليه هو أيضاً وأُودع السجن، ولكن لم تثبت عليه تهمة وأُفرِج عنه عبرانيين 13: 23

• ثالثاً: رحلات بولس بعد استعادة حريته

يؤكد التقليد الكنسي أنه بعد إطلاق سراح بولس، استأنف خدمته وقضى عدة سنوات ينتقل بين الكنائس قبل أن يتم القبض عليه مرة أخرى. ومن واقع الرسائل الرعوية، يمكن تتبع رحلاته كالتالي:

1. زيارة أفسس: حيث طلب من تيموثاوس أن يمكث هناك بينما كان هو ذاهبًا إلى مكدونية (1 تيموثاوس 1: 3).

2. زيارة كريت: ذهب مع تيطس إلى جزيرة كريت وتركه هناك “لكي تكمل ترتيب الأمور الناقصة وتقيم في كل مدينة شيوخًا” (تيطس 1: 5).

3. زيارة مكدونية: في شمال اليونان، حيث كتب رسالته الأولى إلى تيموثاوس (1 تيموثاوس 1: 3).

4. زيارة ميليتس: الواقعة جنوب أفسس، حيث يذكر: “أما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضًا” (2 تيموثاوس 4: 20).

5. زيارة نيكوبوليس: حيث عزم أن يقضي الشتاء، ومن المرجح أنه قُبض عليه هناك (تيطس 3: 12).

6. زيارة ترواس: حيث ترك رداءه وبعض الكتب والرقوق (2 تيموثاوس 4: 13).

7. زيارة أسبانيا: تحقيقًا لرغبته التي ذكرها سابقًا (رومية 15: 24). وبحسب التقليد، انتهى به المطاف أخيرًا في سجن روما للمرة الثانية،

حيث وُضع في حبس مشدد، وهناك وجده أنيسيفورس بعد بحثٍ باجتهاد (2 تيموثاوس 1: 16-17).

• خاتمة

وهكذا، يرسم التقليد الكنسي، مستندًا إلى إشاراتٍ ثمينة في الرسائل الرعوية، صورةً حية ومؤثرة لحياة بولس الرسول بعد خروجه من أسره الأول. إنها سنواتٌ حافلة بالخدمة والمثابرة، والتنقل بين الكنائس لتثبيت المؤمنين، وكتابة وصايا رعوية خالدة. هذه الفصول الأخيرة، التي انتهت بالقبض عليه مرة أخرى ومن ثم استشهاده في روما، تُكمل مسيرة رسول الأمم، وتُظهر إصراره على إتمام سعيه وخدمته حتى النَّفَس الأخير.

الكاتب/ الشيخ فيكتور فهمي، شيخ الكنيسة الإنجيليَّة بالقُللي

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك