فِرعَون.. قِصَّة قَلْب قَاوَمَ الله!

Roma
فِرعَون.. قِصَّة قَلْب قَاوَمَ الله!

  فِرعَون.. قِصَّة قَلْب قَاوَمَ الله!

في سِفر الخروج، نرى بدايَة المواجهة الكبيرة بين موسى وفِرعَون. أرسل اللهُ ضرباتٍ على مِصر؛ لكي يُحرِّر شعبه، لكن مرارًا وتكرارًا، يَذكر النَّصُّ الكِتابيُّ أنَّ قلب فِرعَون قد تقسَّى. هذا مذكورٌ في (خروج ٧: ١٣ و٢٢). 

لكن، قيل في بعض المواضع، إنَّ الله هو مَن قسَّى قلب فِرعَون؛ مِمَّا يُثير أسئلةً لاهوتيَّةً مُهِمَّة:

  •  هل كَانَ فِرعَون مُجبرًا على الرَّفض بسبب تدخُّل الله؟ 
  •     هل تتعارض تقسيَة قلبه مع حريَّة الإرادة؟ 
  •    وكيف يمكننا تطبيق هذا المفهوم روحيًّا في حياتنا اليوم؟ 

سنتوقَّف هنا أمام فكرتين مهمتين للإجابة عن هذه الأسئلة من خلال النُّصوص الكتابيَّة.

 تقسيَة قلب فِرعَون: قراءة في السياق الكتابي

يجب أنَّ يُفهَم معنى “تقسيَة قلب فِرعَون” من خلال السِّياق الكتابي. يُظهِر النَّصُّ أنَّ التقسيَة كانت موقفًا شخصيًّا نابعًا من قلب فِرعَون نفسه. المثير للاهتمام أنَّ سفر الخروج يستخدم عباراتٍ مختلفةً لوصف تقسيَة قلب فِرعَون.

في بعض الأحيان، يُقال إنَّ فِرعَون قسَّى قلبَه بنفسه، كما في:

“وَلَمَّا رَأَى فِرعَون أَنَّهُ قَدْ حَصَلَتِ ٱلرَّاحَةُ، أَثْقَلَ قَلْبَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ.”

(خروج ٨: ١٥)

  “وَشَدَّدَ فِرعَون قَلْبَهُ هذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضًا، فَلَمْ يُطْلِقِ ٱلشَّعْبَ.” (خروج ٨: ٣٢)

    وأحيانًا يُقال إنَّ قلب فِرعَون تقسَّى دون تحديد فاعل، كما في:

   “فَقَسَا قَلْبُ فِرعَون وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ.” (خروج ٧: ٢٢)

  وفي مواضعَ أخرى، يُقال إنَّ الله قسَّى قلب فِرعَون، كما في:

   “وَشَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرعَون فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.” (خروج ٩: ١٢)

    “فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱدْخُلْ إِلَى فِرعَون. لِأَنِّي أَشَدَّدْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ، لِكَيْ أَصْنَعَ آيَاتِي هذِهِ بَيْنَهُمْ.” (خروج ١٠: ١)

هذا كله إنَّما يُشير إلى أنَّ فِرعَون بدأ بنفسه في رَفْض الله، واستمرَّ في العناد، بعد ذلك أسلمه الله إلى قساوة قلبه. فحسب الكتاب المقدس، الله لا يُجبر أحدًا على العصيان، لكنه يسمح للإنسان أنَّ يحصد نتائج رفضه لله، كما قال بولس في رومية ١ عن الخطاة الذين رفضوا الله: “أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ.” (روميَّة ١: ٢٨)

لم يجعل الله فِرعَون شريرًا، لكنه سمح له بأن يزداد في قسوته كنتيجةٍ طبيعيَّةٍ لاختياره الحُر.

  القلب القاسي لا يستجيب لصوت الرَّب

يُصبح القلبُ المتصلِّب غيرَ حَسَّاسٍ لصوت الرَّب. وكلُ مَرَّةٍ رفض فيها فِرعَون دعوة الله، أصبح من الأصعب عليه أنْ يتوب. وهذا يُشبه التحذير الوارد في العهد الجديد: “ٱلْيَوْمَ أنَّ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ.” (عبرانيين ٣: ١٥)

  هل كَانَ الله ظالمًا في تقسيَة قلب فِرعَون؟

الحقيقة، بكل تأكيد: لا. لأنَّ فِرعَون كَانَ مسؤولًا عن عِناده. كَانَت لديه إرادةٌ حُرَّة اختار من خلالها أنْ يرفض الرَّبَّ ويتحدَّاه. لم يكن فِرعَون بريئًا ثمَّ تدخَّل الله ليجعله شريرًا، بل العكسُ صحيح، كَانَ عنيدًا ومتكبّرًا، والله أعطاه فُرصًا عديدةً للتوبة من خلال الضربات العشر. كما أنَّ موسى كَانَ يُحذّره دائمًا قبل الضربات، لكن فِرعَون، وبكل حرِّيَّة، اختار أنَّ يسلك في طريق العِناد.

عندما يتعامَل الإنسانُ مع عمل الله، لا يكون أمامه سِوى اختيارين:

1.   الأوَّل هو التواضع والخضوع ولِين القلب أمام دعوته.

2.   الثَّاني هو المقاومة والرفض.

ختامًا.. لا تتغيَّر كلمةُ الله أو تَخفُت قوَّتُها، بَيدَ أنَّ استجابة القلب هي التي تُحدِّد النتيجة. والتقسيَةُ كانت أحيانًا دينونةً إلهيَّةً عادلةً. عندما يرفض الإنسانُ الحقَّ مرارًا وتكرارًا، يسمح الله له بأن يحصد نتائج اختياراته. وهذا نوعٌ في حد ذاته من العدالة، تمامًا كما جاء في (أمثال ٩: ١٢): “إِنْ كُنْتَ حَكِيمًا، فَأَنْتَ حَكِيمٌ لِنَفْسِكَ، وَإِنِ ٱسْتَهْزَأْتَ، فَأَنْتَ وَحْدَكَ تَتَحَمَّلُ.أيضًا: “لِأَنَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ، فَٱلَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ.” (متى ١٣: ١٢). 

ليتَ قلوبَنا لا تسلك طريق فِرعَون، بل تتجاوب مع صوت الخالق الحنون الرَّحيم الرؤوف بقلبٍ طَيِّعٍ خاشعٍ خاضع. فاليومَ، وكما تدعونا الكلمة “ٱلْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي ٱلْمُرَاءِ، يَوْمَ تَجْرِبَةٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ” (رِسَالَةُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ٣: ٧-٨)، فلنُسرِع إذًا دون تأجيلٍ أو تَردُّد إلى التَّوبة، قبل أنْ يُغلَق البابُ!

الكاتب/ الدكتور القِس هاني ظريف – راعي الكنيسة الإنجيليَّة بالملك الصالح

 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك