ألوهية المسيح _2
Roma
ألوهية المسيح_2
المحتوي
يتكرر السؤال من أصدقائنا كثيرًا: أين قال المسيح أنا هو الله فاعبدوني؟ وفي هذا المقالة نقدم البرهان الثاني على إلوهية المسيح، من خلال الأقوال التي قالها المسيح وتبرهن ألوهيته.
-القول الأول:
ورد في إنجيل يوحنا بعد أن شفى المسيح مريض بركة بيت حسدا“ فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ“.(يو 5: 18).
لقد غضب اليهود بسبب كسر يسوع لوصية حفظ يوم السبت (من وجهة نظرهم)، ووصل غضبهم إلى ذروته عندما أعلن يسوع صراحة مساواته للآب في العمل، وتحدث عن علاقة خاصة تربطه بالله فهو أبوه. وقد فهم اليهود من قول المسيح أنه يعادل نفسه بالله وبما أن الله لا معادل له ولا مثيل له، إذًا هنا أعلن المسيح وبكل وضوح أنه هو الله الظاهر في الجسد، والدليل على ذلك أن اليهود اتهموه بالتجديف وعقوبة التجديف هي أن يرجم. وقد أكد المسيح في بقية حديثه بعد ذلك أن ما فهمه اليهود صحيحًا وقال لهم: “مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ (أي الأب) فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ“.(يو 5: 19)، وقال أيضًا “كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ.” (يو 5: 21)، وأضاف:”مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ”(يو 5: 23) مؤكدًا مساواته مع الآب في العمل، والقدرة والإكرام.
-القول الثاني:
قال المسيح: “أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: «لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ سَنَةً بَعْدُ، أَفَرَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ” (يو 8: 59). إن الرجم هو عقوبة التجديف، أى أن المسيح بقوله هذا يتهمه اليهود بالتجديف. فماذا قال المسيح؟ قال المسيح: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”وعبارة أنا كائن” تعني أنه كائن أزليًا وهو نفس الأسم الذي أطلقه الله على نفسه في العهد القديم، عندما قال”مُوسَى للهِ: «هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ».” (خر 3: 14).
وهذا الأسم”أهية” تُرجم إلى اللغة اليونانية” إيجو إيمي”، وترجم في اللغة العربية”أنا هو” وهذا يعلن أزلية أقنوم الابن، الذي أتخذ جسدًا، ولذا فالمسيح هو الله الظاهر في الجسد. لذلك قال لليهود: “إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ(الكائن أزلاً) تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ».” (يو 8: 24).
-القول الثالث:
قال المسيح: “أنا والآب واحد، فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالًا كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟ أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا»” (يو 30:10- 33).
لقد فهم اليهود من قول المسيح”أنا والآب واحد” أنه يُعلن أنه هو الله الظاهر في الجسد، ومن ثم لم يكن أمامهم إلا أن ينحنوا ويسجدوا له، أو يعتبروا كلماته هذه تجديفًا، وهذا ما حدث “أخذوا حجارة ليرجموه” باعتباره مجدفًا.
إن عبارة “أنا والآب واحد” في النص اليوناني: “أنا والآب نكون واحدًا”، الفعل “نكون” فعل حاضر يفيد الكيونة الأزلية المستمرة، وكلمة “واحد” كلمة محايدة، لا تدل على المذكر، فهي لا تعني شخصًا واحدًا بالمقارنة مع ما جاء في (غل 28:3)، ولكنها تعني جوهر وطبيعة واحدة، ومن له طبيعة الله لابد أن يكون هو الله. وعندما فهم اليهود هذا وثاروا على المسيح أكد لهم أن هذا هو ما يقصده وأكد لهم ذلك بقوله: الآب في وأنا فيه” (يو29:10).
هذه الأقوال الثلاثة وردت في إنجيل يوحنا، لذلك يقول المهاجمون أن إنجيل يوحنا هو من أعلن عن إلوهية المسيح، وردًا على هذا الادعاء نذكر أربعة أقوال أخرى دُونت في الأناجيل الثلاثة متى ومرقس ولوقا.
1-(مت 7: 21-23) قال المسيح “لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!”
2-قال المسيح:
“لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ».” (مت 18: 20).
المسيح يعلن أنه كليَّ الوجود أي -موجود في كل مكان في نفس الزمان- وإذا كان المسيح إنسانًا فقط، فإنه يكون محدودًا بمحدودية الجسد، وبذلك لا يستطيع أن يتواجد في كل مكان في نفس الزمان.
3-“وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ قَائلًا:
«مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: «ابْنُ دَاوُدَ“وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلًا:”ماذا تظنون في المسيح، ابن من هو؟قالوا له:ابن داود، قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟ قَائِلًا: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِيني حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ”(مت 22: 46) وانظر أيضًا(لو20: 41-44).
وهنا يعلن المسيح أنه ابن داود حسب الجسد، وأنه رب وإله داود لاهوتيًا، فهو الله الظاهر في الجسد. ويوضح المسيح ذلك بقوله: “أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ” (رؤ 22: 16).
4-في أثناء محاكمة المسيح قال له رئيس الكهنة :
“وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ». فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلًا: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا: «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ».” (مت 26: 63-66 وانظر أيضًا مر14: 61-64 ، لو22: 69-71).
وهنا رئيس الكهنة يسأل يسوع: هل أنت هو المسيح؟ فيجيبة: أنت قلت، بمعنى –نعم- فما قلته صحيح. فيسوع يعلن أنه هو المسيح الذي تتم فيه نبوات العهد القديم وذكر”تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ” مقتبسة من إنجيل مرقس أصحاح 14 وأية 62 ” قال الرب لربي اجلس عن يميني”، “وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ”.
وهنا إشارة إلى مجيء الرب نفسه في السحب، لذلك اتهم رئيس الكهنة المسيح بالتجديف، لأنه بقوله هذا أعلن إلوهيته. ومن ثم فالمسيح هو الله الظاهر في الجسد.
“لو لم يكن المسيح هو الله، إذًا فنحن الذين نعبده نكون هراطقة وثنيين، وإذا كان هو الله وقصرنا في عبادته، فنحن أسوأ العصاة على الإطلاق، ولو أن المسيح ليس هو الله، إذًا يكون مجدفًا وكاذبًا ومحتالًا، ولا يمكننا قبوله على أنه رجل صالح، لمجرد إعلانه بوضوح عن لاهوته. أما إذا كان فعلًا هو الله، بينما نذكره على أنه رجل صالح فقط، ففي هذه الحالة نكون مجدفين”(د.ستيورت أليوت).
الكاتب د. فريز صموئيل