لماذا نــؤمـن بالثالوث؟_1
Roma
لماذا نــؤمـن بالثالوث؟
المحتوي
يؤمن المسيحيون بأن الله واحد في ذاته، ثالوث في أقانيمه، وهذه العقيدة هي العقيدة الأهم في المسيحية، وذلك لأنها تعبر عن الله في جوهره، وتكشف لنا طبيعته، ولأن الثالوث هو إعلان عن طبيعة الله، لذلك فهو إعلان إلهي ليس فيه اجتهاد، فهو ليس اختراعًا بشريًا من بنات أفكار الإنسان أو محاولة بشرية لوصف الله في طبيعته، ولكنه حقيقة أزلية أعلنها الله لنا في الكتاب المقدس. ونحن قد عرفنا الله بمقدار ما أعلن لنا الله عن نفسه. ونحن نؤمن بالثالوث للأسباب التالية:
1-الثالوث إعلان الله عن نفسه.
2-الثالوث يحل مشكلات الوحدانية.
3-الثالوث مفتاح لفهم العقائد المسيحية الأخرى.
أولًا: الثالوث إعلان إلهى:
لقد أعلن لنا الله عن نفسه في الكتاب المقدس ونرى هذا الإعلان واضحًا في:
1-العهد القديم
إن الإعلان عن الثالوث، لم يأت كإعلان نظري تجريدي، ولكن أتى إلينا عبر تاريخ الخلاص الذي بلغ كماله في شخص المسيح. فتاريخ الخلاص بدأ في العهد القديم، لذلك نجد فيه كثير من الإشارات التي تهيئ للإعلان الكامل في العهد الجديد. وهذه التلميحات تتضح في ضوء إعلان العهد الجديد. ومن هذه الإعلانات:
1-الاسم الجامع لله (إلوهيم).
من أسماء الله في العهد القديم، إلوهيم، وقد أطلق هذا الاسم على الله 2300 مرة تقريبًا. وإلياء والميم “يم” تفيد الجمع في اللغة العبرية ونذكر بعض هذه النصوص:
“فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ ( إلوهيم) السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.” (تكوين 1: 1)
“وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ ( إلوهيم) يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.” (تك 1: 2)
عندما خلق الله الإنسان “وَقَالَ اللهُ: “نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا.” (تك 1: 26)
وهنا نجد الفعل بصيغة الجمع (نعمل)، وأيضًا ضمائر الجمع في كلمتي “صورتنا، كشبهنا”.
عندما سقط آدم “وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: “هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا” (تك 3: 22)
عند بناء برج بابل، قال الله: “هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ.” (تك 11: 7)
“ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ قَائِلًا: «مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟” (إش 6: 8)
“مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ.” (إش 48: 16)
ويقول المعارضون: إن هذه النصوص لا تعلن الثالوث، ويقولون إن الله يتحدث عن نفسه بلغة الجمع للتعظيم. وهذا الإدعاء غير صحيح لما يلي:
- ليس هناك جمع للتعظيم في اللغة العبرية التي كُتب بها العهد القديم.
- الله عظيم في ذاته، ولا يحتاج أن يعظمه أحد.
- قد أطلق الله على نفسه أسماء أخرى مفرده مثل: يهوه. فهل عندما استخدم اللقب “إلوهيم” كان يعظم نفسه، وعندما استخدم اللقب يهوه أو غيره، كان يقلل من شأنه؟
- إذا كانت وحدانية الله مجردة أو مطلقة فكيف نفسر النصوص التإلىة:
“مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ.” (إش 48: 16)
هنا نرى الوحدانية الجامعة: أنا، السيد الرب، روحه.
-“إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ.” (مز 2: 7) وهنا نجد الآب والابن. والابن هنا هو المسيح الله الظاهر في الجسد (عب1: 6،5).
“كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ.” (مز 45: 6)
“أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِزَيْتِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ».” (عب 1: 9) هنا يوضح أن الله هو الماسح والابن هو الممسوح، والمسحة بالروح القدس
– “قَالَ الرَّبُّ (يهوة) لِرَبِّي ( أوناي): «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ».” (مز 110: 1) وهنا نرى إعلانًا أن الآب هو الله، والابن هو الله، فإذا لم يكن هناك وحدانية جامعة (ثالوث) لأدى هذا إلى التعدد، وهذا ما يرفضه اليهود والمسيحيون معًا.
– “رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ.” (إش 61: 1)
وهنا نرى: السيد الرب، روحه، والممسوح كما في (لو4: 16-21) هو المسيح.
– “مَنْ صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفْنَتَيْهِ؟ مَنْ صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَنْ ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا اسْمُهُ؟ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟” (أم 30: 4)
– وماذا عن ظهورات الله في العهد القديم (ملاك العهد) كما في (تك16: 13-14 ، 18: 5 و13-36)، (تك22: 24-30)، (خر3: 2-6 ، 14: 19-22)، (قض6: 11و16و22 ، 13: 20-23).
في كل هذه الظهورات ملاك يهوه هو الله نفسه، وبما أن الذي ظهر وأعلن الآب غير المرئي هو الابن، إذًا هنا نرى الآب والابن.
ويسأل البعض هذا السؤال: إذا كان الله ثالوثًا، فلماذا لم يعلن عن نفسه بكل وضوح في العهد القديم؟ ذلك للأسباب التإلية:
- لقد خرج إليهود من مصر، حيث تعدد الآلهة، وتعاملوا مع حضارات أخرى في فلسطين تؤمن أيضًا بتعدد الآلهة، لذلك كان لابد من التأكيد على الوحدانية حتى لا يحدث اختلاط بين الثالوث وتعدد الآلهة.
- إن وقت الإعلان عن الثالوث لم يكن قد جاء، فالابن لم يكن قد تجسد لإتمام عمل الفداء
- “وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ،” (غل 4: 4)
وأيضًا الروح القدس لم يكن قد أرسل بعد. بحسب (يو 39:7 ، أع 2: 1-4).
ولكن عدم الإعلان عن الثالوث واضحًا لا يعني أن ما لدى اليهود إعلان غير كامل.
فالإعلان الذي لديهم كامًلا، وما لدى المسيحيين أيضًا كامًلا، وكافٍ للخلاص في وقته. وهذا يشبه لؤلؤة صغيرة، ثم أخرى كبيرة، فكلا منهما كاملة.
ولكن الإعلان الأوضح -في ظل الأسباب السابقة- جاء في العهد الجديد عندما تجسد أقنوم الكلمة أو الابن، وهذا ما نوضحه في المقالة التالية.
ملحوظة
كلمة “أقنوم” هي كلمة سريانية تعني: تميز بدون انفصال، فالآب أقنوم متميز عن الأقانيم الأخرى، ولكن غير منفصل عنها، وهكذا أقنومي الابن والروح القدس.
الكاتب د. فريز صموئيل