المسيح كلمة الله
Roma
المسيح كلمة الله
المحتوي
يقول البشير يوحنا: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ.” (يو 1: 1)
“وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.” (يو 1: 14)
ويقول أيضًا: “وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ».” (رؤ 19: 13) إن تعبير “الكلمة” في الفكر اليهودي يستخدم للتعبير عن:
- الإعلان الإلهي: فالله يتكلم لأنبيائه مثل: “فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلًا:” (إر 1: 4)
- أو “قَوْلُ الرَّبِّ الَّذِي صَارَ إِلَى هُوشَعَ” (هو 1: 1) أو “وَصَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ” (يون 1: 1).. إلخ، وتظهر هذه العبارة بصور مختلفة نحو 130 مرة في العهد القديم.
- وسيلة الخلق: “بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا….لأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ.” (مز 33: 6، 9)
ولكي نفهم معنى الكلمة في العهد الجديد، لابد أن نعرف مفهوم الكلمة في الفكر اليوناني.
إن كلمة “لوجوس” في اللغة اليونانية من الفعل legw”” والذي يعني: يجمع، يختار، يضع، ومن ثم أصبحت الكلمة تعني: يجمع الكلمات ويضعها معًا. وأصبح معنى اللوجوس: الأفكار التي في العقل والكلمات التي تعبر عن هذه الأفكار.
إن اللوجوس عند الفلاسفة اليونان يعني:
– الكلام والنطق والإعلان.
– كحقيقة ميتافيزيقية، ارتبط اللوجوس بالكيان الإلهي.
* اللوجوس في العهد الجديد.
تستخدم الكلمة كما في العهد القديم لوصف وسيلة الإعلان الإلهي (لو 11:8، أع 31:4، 1كو 36:14، عب 12:4، كو 16:3، أع 25:8)
- وتستخدم الكلمة “لوجوس” كلقب للرب يسوع المسيح (يو1: 1، 14، 1يو1: 1، 5 – 7، رؤ 17:19)
يزعم البعض أن الرسول يوحنا اقتبس التعليم عن اللوجوس من الفلسفة اليونانية، وبدراسة ما كتبه الرسول يوحنا نجد أن المعنى والمضمون يهودي، عُبر عنه باستخدام اللفظ اليوناني الذي كان منتشرًا في ذلك الوقت.
إن الرسول يوحنا استخدم المصطلح اليوناني كمدخل كرازي، ولكنه قدم من خلاله المفهوم الصحيح عن طبيعة الله وعلاقته بالعالم المادي، وقدم الرسالة المسيحية، أن الكلمة صار جسدًا لخلاص وفداء الإنسان، وهذا ما لا تؤمن به الفلسفة اليونانية.
كتب الرسول يوحنا “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ.” (يو 1: 1) و”وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.” (يو 1: 14) و “اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.” (يو 1: 18) وهنا يؤكد على الحقائق التالية:
- إن الكلمة كائن منذ البدء، فهو أزلي.
- إن الكلمة كان عند الله: وهنا يتحدث عن الملازمة، والذاتية المستقلة.
- وكان الكلمة الله: وهنا يتحدث عن طبيعة الكلمة.
و أما في هذه الآية يكتب عن الكلمة الخالق: “كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.” (يو 1: 3)
4 – والكلمة صار جسدًا.. وهنا يتحدث عن التجسد لإتمام عمل الفداء.
إن مجرد التفكير في أن الكلمة الأزلي اتحد بالجسد المادي يتناقض مع الفلسفة اليونانية، فكيف يقال أنه أخذ تعاليمه منها، لقد استخدم المصطلح “لوجوس” لتقديم الحق الكتابي.
ونختم المقالة بمفهوم الكلمة في الفكر الإسلامي: جاء في النص القرآني:
- ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾
[ سورة آل عمران: 45]
- ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) [ النساء: 171]
إن لقب: “الكلمة” لا يحمل في النص القرآنى أدنى معنى للألوهية، فالقرآن ينكر بوجه عام بنوة المسيح وألوهيته
والسؤال هنا: هل يعني لفظ “الكلمة” شخص أم مجرد أمر إلهي؟
لقد أجمع المفسرون على أن كلمة الله تعني أمره، بمعنى أن المسيح سُمي “كلمة الله” لأنه خُلق بكلمة: كٌن، ولكن هذا يقود الى سؤال هام. لماذا المسيح وحده سُمي “كلمة الله” وقد خٌلق البشر كلهم والأنبياء بكلمة “كُن”. لماذا لم يُسمِ آدم “كلمة الله” وهو أحق البشر بلقب كلمة الله لأنه أول من وٌجِد بكلمة “كُن”؟
يقول الرازي: سُمي عيسى “كلمة الله من وجوه”:
- إنه خُلق بكلمة الله، وهو قوله: كُن من غير واسطة الآب.
- إنه تكلم في الطفولية، وأتاه الله الكتاب في زمن الطفولية، فكان كونه متكلمًا بالغًا مبلغًا عظيمًا فسمي “كلمة” أي كامًلا في الكلام.
- إن الكلمة كما تفيد المعاني والحقائق، كذلك عيسى كان يرشد إلى الحقائق والأسرار الإلهية.
- إنه حقق كلمة بشارة الأنبياء -أي تمم النبوات التي جاءت عنه- في العهد القديم.
- إن الإنسان يُسمى فضل الله، ولطف الله فكذلك عيسى كان اسمه العلم “كلمة الله وروح الله”.
وأعلم أن كلمة الله هي كلامه، وكلامه على قول أهل السنة صفة قديمة قائمة بذات الله. وقال الرازي أيضًا: لفظ الكلمة جاء في القرأن:
-الأول: يقال لعيسى كلمة الله، إما لأنه حدث بقوله، “كُن” أو لأنه حدث في زمان قليل كما تحدث الكلمة.
-الثاني: إنه تعالى سمى أفعاله كلمات.
وأضاف “أما أن كلام الله قديم، فلأن الكلام صفة كمال، وعدمه صفه نقص، فلو لم يكن كلام الله قديمًا لزم أن يقال إنه تعالى كان في الأزل ناقصًا ثم صار فيما لا يزال كامًلا، وذلك بإجماع المسلمين باطل”. (التفسير الكبير ج1 ، ص23و28).
يقول فراس السواح: “وقد دعا القرآن الكريم من ناحيته عيسى أيضًا بكلمة الله (النساء 171) وفى تفسير كلمة الله الواردة في هذه الآية، وآيات أخر مشابهة (قارن مع آل عمران 145 , ومريم34) يقول المفسرون: إن كلمة الله في هذه السياقات هي كلمة كُن التي خلق بها الله عيسى في رحم مريم، وهذا التفسير يجافى الصواب. لأن الله خلق كل شيء بكلمة “كُن” فلماذا يُدعى عيسى وحده من بين الخليقة كلها بكلمة الله” (الإنجيل برواية القرآن، ص235).
ويضيف فراس السواح: “في القرآن الكريم تتخذ “كلمة الله” معنى مشابهًا لمعنى “الكلمة” عند يوحنا، ولمعنى “الحكمة” في العهد القديم” فهي الوسيط بينه وبين العالم، وهي وسيلة الخلق، وبذلك يتطابق في القرآن.. مفهوم الكلمة مع مفهوم “روح الله” (المرجع السابق، ص228)
وهناك فرق واضح: كل الخليقة هي نتيجة وأثر كلمة الله -مخلوقة بكلمة “كُن”- أما يسوع فهو “كلمة الله” اسمه العلم،
إذًا المسيح هو كلمة الله، والكلمة اتخذ جسدًا وحل بيننا، فهو أقنوم الكلمة (الله)، الله الظاهر في الجسد.
الكاتب د. فريز صموئيل