المصالحة والحرية في المسيح
Roma
المصالحة والحرية في المسيح
المصالحة هى ليست مجرد اعتذار أو تأسف عن موقف قد حدث، وليس أن شخصين اعتذرا لبعضهما البعض عن خطأ ما أو تلف ما. كما أن الخطأ في حق الله أيضًا لا يكفيه مجرد اعتذار لله فتتم المصالحة! لأنه خطأ في حق الله القدير الذي يملأ كل الكون بحضوره وقداسته.
وإن كان الإعتذار يكفي لفعل الله المصالحة والخلاص من خلال قبول اعتذار الإنسان غافرًا له، ولكن المشكلة أنه كانت هناك عداوة نتيجة عدم طاعة الإنسان لوصية الله وسقوط الإنسان في الخطية،
عداوة من طرف الإنسان لله، وعدم طاعته ورفض محبته وخطته العظيمة لأجل الإنسان. فتغيرت طبيعة الإنسان إلى طبيعة خاطئة تميل للخطأ والشر دائمًا. واحتاج الإنسان أن يختبئ من الله ويبتعد عنه، وليس كذلك فحسب، بل أعطى الإنسان حياته للخطية وطاعة إبليس وعمل الشر، معلنًا في هذا، توظيف إرادته لعمل الشر، وعدم قدرته على عمل الخير أو طاعة وصايا الله. وبالطبع إن كل هذا العناد والإبتعاد هو موجه لله مباشرة، لأنه مخالف لما يريده ويقصده الله للإنسان من خير وحياة فائقة هادئة ممتلئة بفرح الله وسلامه ورعايته.
ويقول الكتاب المقدس عن حالة البشر: “وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلًا أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ” (كو 1: 21)
أجنبيين هنا بمعنى أننا كنا لا ننتمي لله ولا نحن شعبه، بل غرباء عنه مبتعدين، أعداء، مختبئين من جانبنا عنه. فصارت نفس الإنسان مسجونة ومديونة، تحتاج من يردها ويفكها ويحررها من قيود الشر والخطية، ويبطل هذه العداوة ويصنع المصالحة.
فكان الأمر يحتاج إلى تجديد طبيعة الإنسان، وتحرير طبيعته من عبودية الخطية والموت والفساد، واكتساب الإنسان لطبيعة جديدة غالبة حرة راغبة في طاعة الله وحبه وعمل الخير. فكان الفكاك والحرية يحتاج إلى دفع ثمن، كما يفك الجيش المهزوم أسراه من الجيش المنتصر، بدفع ثمن أو فدية ليحرر أتباعه. وكان الثمن هو حياة المسيح كفدية لافتداء الإنسان ورد سبيه من الشر.
فلابد من دفع ثمن وفدية للمصالحة، وإبطال عداوة الإنسان تجاه الله، وفك أسره من الخطية وقيودها، الأمر الذي لم ولن يستطع الإنسان أن يحققه بنفسه ولنفسه، لأنه كان عاجزًا عن تغيير طبيعته الخاطئة، وعاجزًا عن دفع هذا الثمن.
وكانت وصايا الله لشعبه في العهد القديم، أن كل من قتل شخصًا آخر لابد أن يُقتَل، ومن قتل بالخطأ فلابد له من الإحتماء بمدينة الملجأ، التي هي فيها الحماية الكاملة لإنقاذ حياته من الموت: “مَنْ قَتَلَ بَهِيمَةً يُعَوِّضُ عَنْهَا، وَمَنْ قَتَلَ إِنْسَانًا يُقْتَلْ.” (لا 24: 21)
وأيضا من وصايا العهد القديم أنه إذا افتقر إنسان، وأراد أن يبيع حقل أو بيت، يباع. وإذا عمل إدخار للثمن يمكن أن يدفع الثمن ويفك الحقل أو البيت الذي كان مباعًا ومقيدًا. فيمكن أن يُفَك ويتحرر ويرجع مرة أخرى لصاحبه، أو يفكه أحد أقربائه كي لا يضيع الميراث بين الأسباط.
يذكر لنا الكتاب المقدس قصة في سفر راعوث والأصحاح الرابع، أنه في سنة اليوبيل عند شعب الله القديم، كانت ترجع كل أرض باعها إنسان لآخر، لصاحبها الأصلي أو ورثته، وسمي هذا العمل ب”الفكاك”. وكانت أرض لإليمالك الذي مات ابناه دون أن ينجبا، ولم تستطع نعمي زوجته وراعوث زوجة ابنها المتوفي، بدفع ثمن الأرض لفكاكها كي ترجع إليهما، فقام بوعز لأنه كان من الأقرباء بدفع الثمن المطلوب لفكاك الأرض في سنة اليوبيل -الموعد المحدد- وبذلك تزوج أيضًا راعوث التي كانت أرملة وأقام لها نسلًا وميراثًا.
فإن كان بوعز استطاع أن يفك الأرض ويحررها لنعمي وراعوث، فمن ذا الذي يستطيع أن يفك الإنسان ويحرره –الإنسان المبيع تحت الشر والخطية وسلطة ابليس الذي يقوده لعمل الشر- إن لم يكن هذا المشتري قادر على شراء وتحرير وفكاك كل البشرية في آن واحد؟
ومن هو ذاك الذي يستطيع أن يحرر البشرية من الخطية ويعطي طبيعة جديدة بارة ومبررة إلا الله وحده؟
يقول الكتاب المقدس: “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ!لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ! وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ.”( رو 5: 8 – 11)
“وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ” (2 كو 5: 18-20).
هذا ما فعله المسيح المخلص فهو الله الظاهر في الجسد والذي يستطيع أن يحرر كل البشرية من الخطية وعقابها ويفك كل مقيد حزين لأنه هو يمتلك الثمن.
“عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، “بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ،” (1 بط 1: 18، 19).
فالمسيح صارهو الإنسان الذى اتخذ إنسانيتنا وهو من جنسنا – لذلك فكان لابد على الله أن يأخذ جسد ولابد من التجسد حتى يصير قريبًا لنا ليصنع الفكاك، وفي نفس الآن هو الله الغير محدود الذي يكفي بفداءه وتكفيره عن الخطية أن يقدم فداءه وخلاصة لكل البشرية، وكل من يطلبه بإيمان يصيرمبررًا حرًا من قيود الخطية، سالكًا في طاعة.
يقول السيد المسيح عن نفسه: “فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا.” (يو 8: 36)
أيها القارئ العزيز إن الوقت مناسبًا جدًا أن تقبل وتؤمن بالمسيح وفداءه، محررًا من قيود خطيتك.
لأنه قد دفع الثمن لأجلك ولأجلي، حياته ودماه قدمها لخلاصنا من الخطية والشر، لنعيش لله في بر وقداسة وحرية، فاختار أن تعيش للمسيح وحده، فتحيا حياة مجيدة وفي النهاية حياة أبدية مع المسيح.
الكاتب الشيخ سامح ابراهيم