ذنب الآباء .. هل يدفع ثمنه الأبناء؟!
Roma

ذنب الآباء .. هل يدفع ثمنه الأبناء؟!
سؤال منطقي، لكنَّه مؤلم أيضا. هل من المقبول أن يُحاسَب الأبناء على ما لم يفعلوه، بل ما فعله الآباء؟!
تماما كما ورد في الكتاب المقدس!
“الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ، كَثِيرُ الإِحْسَانِ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ، لَكِنَّهُ لاَ يُبْرِئُ، بَلْ يَجْعَلُ ذَنْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ.” (خروج 34: 6، 7).
كيف يمكن لله العادل أن يُعاقب الأبناء على أخطاء ارتكبها آباؤهم؟
وهل هذا يتوافق مع عدالة الرب التي يُعلنها صراحةً الكتاب المقدّس؟
دعونا نتوقف قليلا لنفهم هذا النَّصَّ فهما واضحا سليما، من خلال جوانب ثلاثة بالغة الأهميَّة:
المحتوي
أولا: الجانب اللاهوتي للنَّص
عبارة “ذنب الآباء يقع على الأبناء“، لا تُعني بالضرورة وجود عقاب مباشر أو شخصي للأبناء الأبرياء. فالكتاب يعلّم بوضوح أن الله لا يُعاقب الأبناء ظلما. “النَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. الاِبْنُ لاَ يَحْمِلُ إِثْمَ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ إِثْمَ الاِبْنِ.” (حزقيال ١٨: ٢٠). الله عادل نعم، لكن عدله لا ينقص رحمته.
الحقيقة، نَصُّ “ذنوب الآباء” لا يُعبِّر فقط عن عدل الله، بل يكشف أيضا عن حقيقةٍ أعمق: أن للخطيَّة تأثيرا متوارثا. فنمط الحياة الخاطئة قد ينتقل من جيلٍ إلى جيل، لا كعقابٍ مباشر، بل كنتيجةٍ طبيعيَّة. هذا طبعا إنْ سار الأبناءُ على نفس نهج وخُطى الآباء في شرورهم وخطاياهم.
على سبيل المثال:
إن عاش الأبُ في العنف أو الإدمان أو الخيانة، غالبا ما تتأثر الأسرة كلها، ويحيا الأبناء في جراح، ويتشكَّل أسلوب حياتهم بطريقةٍ لا تشبههم، حتى إن لم يكونوا قد أخطأوا بأنفسهم. الأسوأ من هذا كله، أن دائرة الشر تكتمل وتنتقل من جيل إلى جيل، فينغمس الأبناء في الشر؛ نتيجة غياب القدوة في احتضانهم وتوجيههم.
فيحصدون بدورهم ثمار ما زرعوه. وهذا ليس ظلما من الله، بل نتيجة حتميَّة للخطيَّة البشريَّة المتوارثة والمستمرة، إن لم تتم التوبة عنها لكسر هذا النمط.
· ثانيا: تأكيد مبدأ المسؤوليَّة الشخصيَّة
يشدد الكتاب المقدس مرارا على مسؤوليَّة الإنسان الفرديَّة. ثمَّة نصوص عديدة تُعلن بوضوح أن الله عادل مع كل إنسان، وكل جيل. مثل:
“النَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. الاِبْنُ لاَ يَحْمِلُ إِثْمَ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ إِثْمَ الاِبْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ.” (حزقيال ١٨: ٢٠).
“هَلْ مَسَرَّتِي مَسَرَّةُ الشِّرِّيرِ أَنْ يَمُوتَ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِالرَّجُوعِ عَنْ طَرِيقِهِ فَيَحْيَا؟” (حزقيال ١٨: ٢٣).
لا يُسرُّ الربُّ أبدا بهلاك الشرير، بل يدعوه للتوبة والحياة، فهو طويل الأناة، كثير الرحمة، لا يشاء أن يهلك أحد، بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة.
وهذا يُثبت بشكل قاطع أن الله لا يعاقب إنسانا على خطيئة لم يرتكبها، ما لم يكن هذا الإنسان نفسه قد سار فيها. فالله عادل، يُحاسب كل إنسان حسب أعماله فقط.
ثالثا: البُعد العملي والتطبيقي
نتعلَّم من الآية التي ذكرناه في بداية المقالة، أنَّ المبدأ الجوهري هنا هو أن الله عادل، ولا يمكن أن يتهاون مع الخطية. لكنه، في الوقت ذاته، رحيم. ففي بداية نفس العدد، يقول: “الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ، كَثِيرُ الإِحْسَانِ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ.”
وهذا يُقدِّم لنا التوازن الرائع بين العدل الإلهي والرحمة الإلهية؛ ما يملأ قلوبنا بالرجاء.
لذلك، دعني أترك معك فكرتين غايةً في الأهميَّة:
أولا: إن كنتَ تنتمي إلى عائلة فيها أنماط سلوكيَّة غير صحيَّة، مثل العنف، أو الكبرياء، أو الإدمان، أو الإهمال.. إلخ. اعلم أن الرب وحده قادر أن يُحرِّرك، ويبدأ بك جيلا جديدا، ويكسر دائرة الشر في العائلة.
ثانيا: علينا، كأفراد، وكعائلات، وكنيسة، أن نُصلِّي من أجل كل الأسر المكسورة، التي يسود فيها الشر، والكبرياء، والأنانية، والتي تتخبَّط في ظلام الحياة؛ نتيجة الابتعاد عن نور المسيح، وكلمة الرب. بالتالي، تنشأ أجيال في جوٍّ مشحون بالخطية.
وعلى كل مؤمن تقع مسؤوليَّة أن يسلك بأمانة أمام أولاده، وجيرانه، وألَّا يتوقف عن الصلاة من أجل أبنائه وأحفاده، أيضا من أجل الأسر المحيطة به في المجتمع السكني الذي يعيش فيه. كم من أبناء يسيرون في ذات الطريق المظلم الذي سلكه آباؤهم، طريق الخطية والظلم.
ختاما..
يُعلمنا الكتاب المقدّس بوضوح، أنَّ الله لا يعاقب الأبناء ظلما على ذنبٍ لم يرتكبوه. لكن للخطية آثارٌ قد تمتدُّ وتُورَّث عبر الأجيال. مع ذلك، نعمة الرَّب كافيةٌ لكسر هذا كله.
“الله عادل وحنّان.”
“الله يُحاسب كل واحد بحسب قلبه ومسلكه.”
وما يزال الرَّبُّ يُنادي على الجميع:
“اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَخَلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ.” (إشعياء ٤٥: ٢٢).
“تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.” (متى ١١: ٢٨).
إن كنت حقا ترغب في فهم كلمة الله، أشجِّعك من كل قلبي أن تسأل، وأن تدرس كلمته المقدسة.
المصادر: سلسلة/ أسئلة كتابية هامة – حلقة: هل يعاقب الله الأبناء بذنوب الآباء؟!
الكاتب : الدكتور القس هاني ظريف، راعي الكنيسة الإنجيلية بالملك الصالح.