السباق الأخير
william
السباق …الأخير
كان الطفل كله شقاوة وحيوية وهو يلعب بدراجته، بينما كان جاره الذي في شرخ الشباب يراقبه ويراقب شقاوته في إعجاب شديد، نظر إليه الطفل فجأة وابتسم بعيون مشرقة، وإذا به يتجه إليه وببساطة قال له:
– عمو … تسابقني؟
نظر الرجل إلى الطفل بضـحكة بدت ساخرة في البداية، ولكن أمام ابتسامته الشقية البريئة، لم يرد أن يرفض طلبه، وقال بتحدٍ أحبه الولد وهو يرد:
– لنفعلها … أنا قادم.
لم يكن الرجل يريد هذا التحدي، وليس له أي معنى بالنسبة له، لكنه ما إن شاهد طفلًا صغيرًا جريئًا، وفي نفس الوقت قد يكون هذا الطلب هو حلم بالنسبة له، قرر ألا يكسر بخاطره.
وبدأ السباق…
بدأ الطفل بأقصى ما لديه بينما الرجل لم يحاول أن يسبقه؛ فقد شعر أن ذلك الانتصار سيجعل من الولد أسعد مخلوق في الدنيا.
وانتهى السباق بانتصار مدوي للطفل.
وبعد صيحة الانتصار الكبيرة التي أفلتت من فم الطفل، اتجه إليه كأي رياضي منتصر، يسلم على الرجل المبتسم له في سعادة، والتقت العيون بنظرة لم ينسها الطفل أبدًا.
***
سنوات كثيرة مرت على هذا الموقف… سنوات صنعت من هذا الطفل رجلًا مسؤولًا وناجحًا، وتركت الأيام آثارها في جسد الرجل، ليحل الوهن والضعف محل القوة، لتضيف الأيام إلى الرجل صديقًا جديدًا، كرسي متحرك لا يفارقه مطلقًا.
وفي يوم من الأيام، ذهب الطفل السابق مع والدته العجوز إلى المستشفى لإجراء فحوصات لها.
فرأى رفيق السباق وقد صار مقعدًا و يسير على كرسي متحرك ووراءه شاب يدفع الكرسي، وتلاقت النظرتان لأول مرة منذ هذا السباق، وبعد لحظات من التفكير تعرفا على بعضهما… وبنفس التلقائية خرجت العبارة من فم الشاب:
– عمو… تسابقني؟
نظر إليه القعيد وسكت، مع ابتسامة كلها ألم وتعب، ظن أن الشاب غير جدي في عرضه، ولكن بكل تحدي أكمل المتحدي شروط السباق:
– فقط لوحدك بدون أي مساعدة.
قالها وهو يشير إلى المقعد والشاب الذي وراء المقعد، فأجاب العجوز:
– ولكنني لا أستطيع.
لم تزل عيون التحدي تلمع، وفي حماسة بالغة قال:
– صدقني تستطيع، فأنت ما زلت شباب.
وبالفعل وافق… وقف المتسابقان… أرجل ثابتة ضد أرجل تقف بمنتهى الصعوبة ولكنها لا تزال متشددة… ويبدأ السباق وينتهي بانتصار المقعد العجوز.
وتتلاقى النظرات من جديد، وبنفس تلك النظرة القديمة التي نظرا بهما إلى بعضهما، ولكن هذه المرة… من عيون مليئة بالدموع والامتنان، وبدلًا من ذلك السلام الرياضي كان الحضن الكبير، الحضن الذي منع الرجل من الوقوع، وبرفق… أجلسه الشاب على كرسيه المتحرك من جديد، ثم قال له:
– أنت ما زلت بكامل عافيتك وشبابك وأسرع مني.
وبصوت ضعيف قال المقعد:
– شكرًا لك.
– سوف تكون بخير، ولنا سباق آخر… أريد أن أعوض خسارتي.
ابتسم العجوز ولم يعلق، فقد كان يعرف الحقيقة، كان يعرف أن هذا السباق هو السباق الأخير.
المصدر: كتاب السباق الأخير
للكاتب : عماد حنا