ليلة الميلاد
william
ليلة الميلاد
إنها ليلة الميلاد … نظرت جوزفين إلى أصغر ولد لها والدموع التي كانت تلازمها طوال العشرة أيام السابقة قد زادت حدتها الآن.
حاولت جوزفين ألا تظهر دموعها أمام أولادها الخمسة، فوقفت واتجهت إلى تلك الشجرة التي تأخذ جنبًا كبيرًا من مدخل شقتها الصغيرة، لم تكن الشجرة مضيئة بعد، وربما لن تضيء في هذا اليوم أبدًا، أخذت تعبث بأوراقها وهي تتذكر أيامًا مضت.
ففي هذا الوقت منذ عشرة أيام، كانت هي وزوجها باركر يشتركان معًا في تزيين هذه الشجرة، وكانت الفرحة التي تعتريهما لا تتسع المكان، كان باركر يستعد للخروج في دورية المساء حيث يعمل كرجل إطفاء، وكان يشعر بسعادة كبيرة، قال لزوجته في هذا المساء وعيونه تدمع:
– بعد عشرة أيام سوف يكمل ابننا عامًا كاملًا، لقد ولد في نفس يوم ميلاد مخلصنا، إنه فأل حسن، ربما صار خادمًا لسيده.
وقتها ردت عليه زوجته:
– هل تريد أن يهان ويصلب لأجل الآخرين مثلما فعل سيده؟!
فيرد زوجها عليها بانفعال شديد:
– ليس العبد أفضل من سيده، إنني أفتخر به لو فعل هذا.
وظنت الزوجة أن رجلها يمزح، فردت عليه مازحة هي الأخرى:
– ما تريده أفعله أنت، أنني أريد لابني أن يعيش في سلام.
أخذت تمسـح عيونها بعصبية وهي تتذكر هذه الكلمات … كانت تعرف كم يحب زوجها إلهه، وكانت كثيـرًا ما تنتقد طيبته الشديدة وخدمته للناس جميعًا، حتى إنها كثيرًا ما قالت له:
– لن تجد من يساعدك إذا وقعت يا باركر، بينما أنت تساعد من يحتاج ومن لا يحتاج … الشريف والخسيس … ولا تفرق بين أحد، ويكون هذا على حساب راحتك وراحة بيتك.
فيقول لها زوجها:
– ألم يفعل يسوع هذا؟! وهل نحن نستحق ذلك الخلاص المجاني الذي وهبه لنا؟
وقتها صرخت به:
– أنت لست يسوع!
ولم تكن تعرف في هذا الوقت كم هي مخطئة، إذ ابتسم وانهـى حديثه قائلًا:
– لقد تأخرت عن عملي.
وقبّلها بسرعة ثم استأنف:
– سيكون يوم الميلاد يومًا سعيدًا.
وتركها وخرج.
أخذت جوزفين تنظر إلى أولادها الخمسة في ألم، خمسة أولاد كانت هي وباركر يتوليان تربيتهما، وأصغرهم ولِد يوم الميلاد منذ عام واحد فقط.
كان باركر ينتظر يوم الميلاد بفارغ الصبر، أسرع واشترى شـجرة الميلاد، وكان يعد حفلًا كبيـرًا به يحتفل بعيد ميلاد سيده وابنه، كان لا يزال الوقت مبكرًا، ولكنه أسرع ودعي الكنيسة وراعيها ليشاركوه فرحته.
لم يكن يمتلك الكثيـر؛ فوظيفته كرجل مطافئ لم تكن تدر عليه دخلًا كبيـرًا، لكنه كان يمتلك قلبًا كبيـرًا لم تكن الدنيا تستطيع أن تسعه، وكان يشعر بكل ضعيف محتاج، ويده تمتد لمساعدة الكل دون تمييـز، وكثيـرًا ما كان هذا على حساب بيته واحتياجاته.
بعدما خرج باركر بقليل، سمعت جوزفين عربات الإطفاء وهي تجوب شوارع المدينة الصغيرة، فعرفت أن زوجها سوف يتأخر، ولكنها وهي التـي تعرف زوجها جيدًا، لم تتصور أن آخر حديث بينهما سوف يطبقه الرجل بحذافيره.
لقد شب حريق كبيـر في أحد ضواحي المدينة، ولم يكتف باركر بمحاولة إطفاء الحريق، ولكنه كان يدخل وسط النار يحاول أن يخلص الآخرين، بذل الكثير من الجهد ولم يشعر بأي خوف، إلى أن تمكنت منه النار في إحدى المرات وراح فداء من أنقذهم.
لم تتمالك جوزفين نفسها، وراحت تبكي وهي تنظر إلى تلك الشجرة المضيئة، وبعدها تنظر إلى أطفالها الخمسة التي ستتولى هي رعايتهم وحدها … وحدها؟! هل تستطيع ذلك؟!!
دق جرس الباب، في تثاقل تركت تلك الشجرة التي كانت تعبث بها وذهبت لتفتح الباب، لتجد راعي الكنيسة وكل الذين دعاهم زوجها لحفلة الميلاد، بالإضافة إلى كل من شارك باركر في إنقاذ حياتهم.
… الكل أتى ليحتفل بعيد ميلاد السيد والصغير.
قال لها الراعي:
– نحن معك … نحمل المسؤولية معك، لقد علمنا باركر ذلك.
ووسط كثير من الدمعات، قدموا لها تقدمة حارة تليق برجل بذل نفسه لأجل كثيرين، وكان بالنسبة لكثيرين كيسوع.
عمان في سنة 2000.
المصدر :كتاب السباق الأخير
للكاتب :عماد حنا