أحببتك…لذلك أرحل

william

أحببتك.. لذلك أرحل  

 

كانت تمسك بالخطاب وهي تبكي بشدة… تتمالك نفسها بصعوبة وتتصل بزوجها على التليفون المحمول وتقول بنبرة يائسة:
– عد يا مجدي … لا تبحث!
يأتيها صوت مجدي الملهوف عبر التليفون قائلًا:
– هل وجدته؟
ولكن صبرها ينفذ فتصرخ:
– عد يا مجدي قلت لك… لا فائدة الآن.
– لماذا تقولين هذا ؟ هل عثرت عليه؟
لم تتمالك نفسها، فأغلقت التليفون بعصبية مع دمعة تنساب من مقلتيها… وراحت تحدث نفسها: كان علي أن أعرف … بعد كل ما فعلته لأجله يفعل بي هكذا!!
أمسكت الورقة التي بين يديها وجلست على السرير، لتجد عيناها تصطدم بصورته على الطاولة التي بجانب السرير بجانب مجموعة كبيرة من زجاجات وشرائط الدواء مع زجاجة مياه، لقد ترك كل شيء، ولم يأخذ حتى دوائه، فتبعد عيناها بسرعة في خجل، ولكنها لم تلبث أن اختلست النظر من جديد لذلك القابع على الطاولة، كانت له ضحكة جميلة صافية طالما أحبتها، وكانت تراها فتشعر أن الدنيا كلها تضحك.
أبعدت عيناها بسرعة لتهرب إلى تلك الورقة التي بين يديها … وتقرأ السطور:
يا بنيتي … أحببتك كثيرًا … لذلك قررت الرحيل، من فضلك لا تبحثي عني، لن تجديني في أي مكان يمكن أن تفكري فيه، لقد أعددت العدة للرحيل منذ فترة، فلم يكن ذلك الرحيل مفاجئًا ولا وليد اللحظة، ولكنه منذ شهور وكل يوم يتضح لي أن هذا القرار آتي لا محالة .. لذلك أعددت لرحيلي هذا.
هل غضبت يا بنيتي؟! أستميحك عذرًا … فهذه هي أول مرة أخرج فيها عن تعليماتك التي رسمتها لي، وأعدك أنها ستكون آخر مرة، لأنه ببساطة لن يكون هناك لقاء آخر حتى أكسر فيه القوانين.
معذرة، أنا أعرف أنك تديرين بيتك بإتقان وتفاني … وذكاء أيضًا … لن أقول بأحكام عسكرية حتى لا تغضبين؛ فقد غضبت مرة من أجل هذه الكلمة، وكان عقابي الذي نلته منك صارمًا، امتعاض وتكشيرة ووجه جامد استمروا معي لشهور، لأجل تعبير واحد، وأنت تعرفين يا بنيتي أني لا أطيق الوجه الجامد، أحب الضحكة الحلوة التي طالما دربتك عليها، ولكنك بخلت علي بأن أراها على وجهك الجميل طوال الفترة الماضية، وعرفت أن وجودي في حياتك يسبب مشكلة جعلت وجهك بهذا الشكل.
السؤال الذي أتساءله الآن، هل رحيلي هذا كان مفاجئًا بالنسبة لك؟ أم أنه لم يخرج عن الأمر المخطط له منذ البداية؟ سؤال للأسف لن أعرف إجابته، ولكن اسمحي لي أن أكتب لك بعض خلجات قلبي، ربما تفهمين لماذا بعدت على الرغم من محبتي لك، فهل تصبرين علي وتقرأين كل هذا الخطاب على طوله، اعتبريه آخر طلب من رجل شارفت حياته على النهاية ولن يموت وسط زويه وبين أهله، هل أنت مستعدة للقراءة ؟
***
أنت تذكرين أول مرة ألتقينا فيها؟ عندما عرفني ابني بك، بكل محبة وعيون لامعة أعرفها جيدًا عندما يفرح، لقد فرح إذ وجد ضالة قلبه، ونصفه الآخر، وتحمس كثيرًا لكي يتزوجك، يومها ذهبت أنا وأمه لخطبتك، نظرت زوجتي إلى مستواك الاجتماعي وقالت “لا!”، ولكني قلت:
– بل نعم!
لقد وجدت فيك الابنة التي لم أنجبها، وفرحت بك مثلما فرح ابني بك، كانت زوجتي لها حاسة خاصة جعلها ترفض دون أن تعرف لماذا، ولكنها أصرت … ولكنك تزوجت من ابني، وكتمت زوجتي مشاعرها وسكتت، وعند حدوث الصدام بينها وبينك، كنا دائمًا نعلل أن السبب هو الرفض الأولي للزواج، ونبدأ في تلطيف الجو بينك وبينها، واستمر الحال إلى أن ماتت زوجتي، رقدت بسلام لتتركني وحدي في بيتي هذا … في البداية طلبتِ من ولدي أن تعيشا في نفس البيت الذي أعيش أنا فيه بدعوى رعايتي، على الرغم من أن مجدي كان قد جهز شقة جميلة وفخمة، وقلنا يومها أنك فتاة أصيلة سوف تعتني بي، وقد فعلت الكثير.
في الحقيقة، رجل عجوز مثلي لا يمكن أن يغير عاداته ويعيش في ثكنة عسكرية مثلما أردتِ أن أكون … كل شيء بنظام … صرامة في الأكل وصرامة في المعيشة … حددت لي متى أخرج من بيتي ومتى أدخل إلى الحمام!!! ونسيت أن هذا بيتي!
قولي لي عزيزتي لماذا أتيت؟ هل طمعًا في قصري هذا؟ ربما … فعلى الرغم من أن زوجك أسس بيته، ولكن يبقى هذا المكان الفخم مطمع كل إنسان، ولكن هناك أعمق أعرفه.
الأموال!
لقد خفت أن أتزوج، فكنت المراقب لكل هذا، وعلى الرغم من تعهدي لابني أنني لن أستبدل زوجتي بأخرى مهما كانت، إلا أنك ظللت خائفة.
وما أن تمكنت من المنزل حتى بدأ أسلوب استنزاف الأموال، ورأيت بعيني معاملتك السيئة لابني كلما طلبت منه شيئًا ليس في مقدوره، حتى يضغط علي وأسرع أنا بالدفع، في الواقع لم أقتنع مطلقًا ببقائك هنا.
لقد أحببتك واتخذت منك ابنة لي، ولكن فاتك أني أيضًا أفهم الناس جيدًا … وأفهم مبررات الناس جيدًا … لقد سحبت كل أموالي في البنوك، والآن أنا أرحل … لا تفتشي علي … تأكدي أنك لن تجديني مطلقًا، عليك الآن أن تعتمدي على نفسك في المعيشة وعلى زوجك، لا تنظري إلى ما في جيوب الآخرين، وكوني قانعة بما أعطاك إياه الله فهو كثير، ويستحق أن تشكري الله عليه، هذه هي نصيحتي الأخيرة ووداعًا.
***
انتهت الرسالة.
طوت الرسالة وراحت تبكي، تبكي بشدة وهي لا تعرف إذا كانت تبكي على ذلك الرجل الذي اختفى من حياتها وحياة زوجها بالكامل، أم تبكي على ثروة ضائعة لم تعد تعرف عنها شيئًا ولم تستفيد منها شيئًا إلا شقة فخمة، لم تعد تعرف لماذا تبكي أو على أي شيء، فقط هي تبكي، وربما لا زالت تبكي إلى الآن.

المصدر: كتاب السباق الأخير

للكاتب :عماد حنا

 

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك