إنها لك … لقد ساعدتني

william

  إنها لك … لقد ساعدتني

-استيقظ يا أبي… لقد حان الوقت!

كانت هذه هي المرة الأولى التي فيها يستيقظ ابني من النوم مبكرًا ليذهب إلى المدرسة، في الواقع لقد كانت الأسرة كلها تعتمد علىَّ في هذا الموضوع نظرًا لعادتي في الاستيقاظ مبكرًا واستغلال الصباح الباكر في العمل… فمن كان مثلي وله من الأطفال ثمانية في أعمار مختلفة وينشد الهدوء، لابد أن يسعى للاستيقاظ مبكرًا قبل الجميع، فيجد قليل من الهدوء والصفاء الذهني الذي يمكن أن يستغلهما في الصباح الباكر.. ولكن في هذا اليوم بالذات، كان هاني، أصغر أبنائي سنًا، هو الذي يشجعني على الاستيقاظ، نظرت إلى ساعتي… كان لا يزال الوقت مبكرًا جدًا… إنه وقت استيقاظي بالفعل، ولكنه أبدًا لم يكن وقت المدرسة… على أي حال قمت من نومي، وضاع على يوم من العمل؛ إذ بحركة هاني وصوته الذي كان يظن أنه خافت، ساهم في استيقاظ والدته وبعض إخوته.. فقمت مستسلمًا بينما ابني ينظر إليَّ بعيون تلمع قائلًا:
– صباح الخير يا أبي.
– صباح الخير يا هاني… ما السبب في هذا الاستيقاظ المبكر جدًا؟
– أنني لم أنم طوال الليل يا أبي.
– لماذا؟ لعل المانع خير.
– ألا تعلم يا أبي؟ إنه اليوم الكبير… يوم المدرسة… والمسابقة التي أقامتها ودخلت فيها.
– آه!
قمت من نومي وقد عرفت أني لن أتمكن في هذا الصباح من أن أنجز أي عمل، على أي حال، أنا اليوم لن أذهب إلى عملي، وسأذهب مع ابني إلى مدرسته لحضور تلك الحفلة السنوية التي تقيمها المدرسة لتنمية مواهب الأولاد، لقد كانت المدرسة حريصة على هذا الأمر، وأنا كنت بدوري حريصًا على أن أساعد ابني على الإبداع، فكنت أشجعه، وعندما قرر القيام بعمل سيارة خشبية ليدخل بها مسابقة المدرسة، أسرعت واشتريت له الخشب اللازم لذلك… وبدأ يعمل بجد واجتهاد، وها قد حان الوقت ليحصد نتيجة تعبه.
– هل تظن أن سيارتي ستفوز يا أبي؟
– هل تسمح لي أنت أن أقوم وأصنع بعض القهوة حتى أفيق؟
– بالتأكيد يا أبي… يمكنك هذا حتى وإن رفضت أن تعطيني بعض القهوة بدعوى أنني لازلت صغيرًا، ولكني أشعر ببعض الجوع، هل تظن أنه من الممكن أن تصنع لي أمي بعض الشطائر؟
نظرت إلى السماء لاجئًا:
– يا إلهي.
بينما ابني واصل حديثه:
– أبي.
– ماذا تريد؟
– هل تظن أن سيارتي ستفوز؟
– بالتأكيد… لقد تعبت في صنعها طوال شهر كامل… لا أظن أن أحدًا اهتم بهذا الموضوع مثلك.
– كلا يا أبي، المنافسة في الواقع ستكون شديدة، جميع من في صفي اشتروا الخشب منذ فترة ليصنعوا سياراتهم، وبعضهم حصلوا على تصميمات مختلفة من مجلات كبيرة… بينما أنا…
ولكني لم أسمح بنغمة التباكي على حاله بدعوى أنه مظلوم أن تُمارس معي فأسرعت أذكره:
– ماذا؟! لقد اشتريت أنت أيضًا الخشب… والله يعلم كم كلفني هذا!
فأسرع الماكر يغير من نغمة حديثه:
– أجل… شكرًا لك يا أبي… ولكني لم أنقل سيارتي من أي مجلة.
– إذن من أين حصلت على هذا الشكل الجميل؟
– لقد حلمت به.
– لا شك أنك ستفوز. هل لك أن تتركني أعمل قليلًا قبل أن يحين وقت المدرسة؟
– بالتأكيد يا أبي، ها أنا صامت تمامًا.
ولكن هاني لم يصمت أكثر من ثلاثين ثانية، وعاد ليقول:
– أبي… ألم يحن الوقت بعد؟
– كلا.
– أبي… هل تظن أنني سأفوز؟
– بالتأكيد.
– أبي…
وهنا قمت بهدوء وأحضرت سدادات الآذان ووضعتها على أذني، بينما هاني ينظر إليَّ مستاءاً  … ثم خرج من الحجرة وأقنع أمه بأنه جائع، لتقوم المسكينة من نومها من جديد لتصنع له بعض الشطائر، وهو ينتهز الفرصة ويحكي معها ليعبر عن مخاوفه.
في الواقع أنا بدوري لم أستطع العمل… لقد كنت سعيدًا بابني وبمثابرته طوال الشهر الماضي في العمل، وأيضًا في إبداعه؛ إذ لم ينقل عمله من أي مصدر، ولكن كان تصميم سيارته من ذهنه هو، إنه فعلًا مبتكر.. لقد أحسنت صنعًا إذ وضعته في هذه المدرسة التي تهتم بكل ما ينمي قدرات الطفل… ابتسمت وأنا أتذكر كيف أحاول كل عام تجميع أقساط المدرسة… على الرغم أني حصلت على خصم خمسين بالمائة من المصروفات؛ نظرًا لأني زبون مهم لهم أنا وأولادي الثمانية، إلا أني كنت دائمًا أتعب حتى أستطيع تدبير الأقساط بالكامل، ناهيك عن بعض الطلبات الفجائية، على نمط شراء الأخشاب والأدوات الأخرى وخلافه… ولكن أشكر الله الذي يساعدني على تدبير معيشتي بالكامل.
وأخيرًا حان الوقت للذهاب إلى المدرسة، لقد جاء صديق ابني وجاره معلنًا أنه عليَّ أن أسرع وأخرج سيارتي من الجراج حتى أقوم بتوصيل ذلك الجمع الغفير إلى المدرسة… وأسرع هاني يحمل سيارته الخشبية في سعادة، يساعده صديقه عادل… وابني يقول له:
– أنظر إلى السيارة.
– إنها جميلة جدًا يا هاني… كم كنت أتمنى لو أقدر أن أصنع مثلها!
وهنا تدخلت في الحوار، ويا ليتني ما فعلت:
– لماذا يا عادل… ألم تصنع سيارة؟
– كلا يا عم… أنا الوحيد الذي لم يصنع شيئًا…. لم يستطع أبي أن يشتري الخشب.
وددت لو كنت ابتلعت لساني قبل أن أتكلم، لقد نسيت أن والده لا يستطيع أن يتحمل عبء كهذا، كيف أنسى وأنا قد سعيت لإعفاء ابنه من ثمانين بالمائة من المصروفات نظرًا لظروفه، ولولا تفوق ابنه الشديد ومثابرته، لما رضيت المدرسة بإبقائه في الفصل… قلت له:
– في العام القادم ستعمل أحسن سيارة في المدرسة…
ضحك هاني بعفوية وقال:
ولماذا العام القادم… إنه سيساعدني اليوم… أليس كذلك يا عادل؟
– بالتأكيد يا هاني، هذا يسعدني.
نظرت إلى ابني… لقد كان أكثر لباقة مني… وأكثر محبة مني، لم أتكلم طوال الطريق بينما أولادي ومعهم جو يتحادثون، وموضوع حديثهم هو السيارة بالتأكيد.
ورن في أذني تلك الكلمة التي قالها عادل:
– هل تعلم يا هاني أني لم أفز في حياتي بأي هدية من أي مسابقة؟
ولم أتمالك نفسي… فرفعت إلى الله شكري لأنه يسدد كل احتياجاتي واحتياجات أولادي… ولم أنسى أن أطلب لأجل جاري أن يساعده الله في أموره وأزمته المالية… وأيضًا لم أتدخل في الحوار حتى لا أخطئ… ووصلنا إلى المدرسة، وأسرع هاني وجو يخرجان من السيارة ومعهم السيارة التي صممها هاني، ويتجهان إلى المدرسة بحرص وسعادة، لقد بدأ اليوم الكبير…
وقفت أنا وزوجتي ننتظر، وننظر إلى هاني في ترقب وهو يقضم أظافره وينظر إلى لجنة التحكيم لتعلن عن الفائز… وأعلن المدير بعض جوائز الترضية والتي لم يحصل ابني على أي منها، وها قد حانت لحظة الجائزة الكبرى، ويعلن المدير أن ابني هو الفائز…
وتخرج من حنجرة ابني صرخة الانتصار والفوز، بينما يعلن المدير أن السبب الأول للفوز هو الابتكار وإخراج هذا العمل من مخيلة ابني… وارتفعت هامتي وأنا أنظر إلى زوجتي فخورًا مختالًا بذلك الولد العبقري… ويجري الولد يسلم على لجنة التحكيم، ويحصل على كأس جميل من الفضة لطالما ظل يحلم به لمدة شهر كامل. ..
– أخيرًا حصلت على حلمك يا بني.
يعانقني ابني ويعانق أمه وإخوته… ويذهب إلى صديقه عادل ويتعانقان… ثم تمتد يده بالكأس… ويقول لصديقه:
– هذا لك يا صديقي.
ينظر الولد مشدوها:
– لي أنا ؟!!
– لقد ساعدتني اليوم… أليس كذلك؟ لقد حان الوقت لتحصل على جائزة… أليست جميلة؟
كانت مفاجئة مذهلة بالنسبة لي… رجعنا إلى البيت… لم أعد فخورًا بابني لأجل عبقرتيه… لقد اكتشفت في ابني خصال أنا نفسي لا أمتلكها، لقد علمني درسًا في العطاء هو الأول من نوعه، نظرت إلى عادل وهو يهبط من السيارة وفي يده جزء عزيز على ابني، تنازل عنه عن طيب خاطر، ورأيت وجه الولد المشرق المنير كما لم أره من قبل… امتدت يدي إلى التليفون… اتصلت بوالده… لقد تناسيت أزمته… وتناسيت احتياجه… وتشاغلت عنه باهتمامي بنفسي وذاتي… والآن حان الوقت لأصلح كل هذا… وعندما جاء صوت الصديق القديم عبر الجهاز الصغير أسرعت وقلت له:
– عزيزي… منذ فترة لم نعرف أخبار بعضنا البعض… نريد أن نجلس ونحكي قليلًا… هل تأتي لعندي، أم أحضر لعندك؟

المصدر: كتاب السباق الأخير

للكاتب : عماد حنا

مواضيع تهمك
شارك اصدقائك